أوّلاً : إنّ هذا التصوير مبني أساساً لمن لا يريد جواباً غيبياً عندما يسأل عن فائدة هذه الغيبة الطويلة ، بل يطالب بتفسير اجتماعي للظاهر ، وهذا ما صرّح به الشهيد الصدر رحمهالله في بحثه (١).
ثانياً : إنّ الجدل العقائدي حول علم الإمام لم يصل إلى نتيجة حاسمة يتفق حولها الجميع تلزم الكل بأنّ الإمام يعلم كلّ شيء ، وأنّه بلغ في علمه درجة الكمال المطلق ، بل المتفق حوله أنّ الإمام أعلم الخلق بما يتوقّف عليه هداية الناس ، وإقامة الدين وأنّ طرق علم الإمام الخاصّة به من إلهام وكشف لا تنافي مشاركة الآخرين في الطرق التحصيلية خاصّة إذا كان هذا التحصيل بتسديد من الله كما هو الحال في الغيبة حيث ترعاه العناية الإلهية لمعاصرة كلّ هذه التجارب وهذه الدورات الحضارية المتعاقبة.
ثالثاً : إنّ درجات التكامل المتصوّرة للعقل لا نهائية ، وكلّما وصل الفرد إلى مرتبة منها استحقّ أن يرقى إلى درجة بعدها ، وهذه الدرجات تبدأ بأوّل مرتبة من مراتب الإيمان وتنتهي بالوجود اللانهائي الجامع لكلّ صفات الكمال ، وهو الله عزّ وجلّ ، وحصول الإنسان على الكمال اللانهائي غير ممكن إلا أن تصاعده من الكمال إلى الأكمل في غاية الإمكان والوضوح ، وكلّ درجة يصل إليها الفرد فهي محدودة بما في ذلك المعصوم ، فعلى الرغم مما ما يبلغه من الكمال يمكن له أن يتقدّم خطوة أخرى نحو الأمام ، وهذا معنى تكامل ما بعد العصمة ، وهذا ما تساعد على فهمه بعض النصوص من أنّ علم الأئمة عليهمالسلام في ازدياد.
والعوامل التي تساعد المهدي على هذا التكامل إضافة إلى ما ذكر سابقاً ، الإلهام ، فالروايات وردت أنّ الإمام عليهالسلام ـ إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمنا تعالى ذلك ـ (٢).
والعامل الثاني : ما يمرُّ به القائد من مصائب ومحن توجب تصاعد كماله الروحي.
والعامل الثالث : ما يقوم به القائد من أعمال وتضحيات في سبيل الرسالة ، ترسّخ عمقها في نفسه.
__________________
١ ـ محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٤١.
٢ ـ الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٥٧.