والسيد الطباطبائي رحمهالله في حواره مع كوربان أوضح هذه الفكرة تفصيلاً ، ومفادها : أنّ الدين في مفاهيمه العقائدية وأحكامه العملية هو المقوّم الأساسي للنظم الاجتماعية الاعتبارية ، التي يمكن أن تقود الإنسان إلى السعادة الحقّة.
وأنّ النظام الاعتباري الذي يخضع له الإنسان في حياته الاجتماعية من خلال رعايته للأحكام الدينية يستبطن وجود نظام حقيقي طبيعي يتمثّل بالحياة المعنوية التي تنبثق منها النعم الآخروية والحياة الأبدية ، وهذه الحقيقة الواقعية هي التي يطلق عليها اسم الولاية ، فهذه الحقيقة ـ هي الصراط أو الطريق ، هي الواسطة ما بين الله والخلق ، تقود الإنسانية وتقرّبها إلى الله عزّ اسمه ، ولا تسقط هذه الحقيقة النورية المعنوية أبداً؛ بل لابدّ لها من شخص يحملها من بني الإنسان يضطلع على أساسها بقيادة الناس وهدايتهم ، وهذا الشخص الذي يحمل هذه الحقيقة هو الذي يطلق عليه بعرف القرآن ، والحديث اسم الإمام ـ (١).
وقد روى عن أبي جعفر عليهالسلام : ـ ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة الله على عباده ـ (٢) ، فالحياة المعنوية من أنوار الهداية وفيوضات القيّم تتمركز في حقيقة ثابتة ومقام مخصوص ( الإمام ) : ـ فالإمام هو الشخص الذي تمّ اختياره من جانب الحقّ سبحانه ليتقدّم صراط الولاية ويمسك بزمام الهداية المعنوية ، وما أنوار الولاية التي تنبض بها قلوب عباد الحقّ سبحانه سوى خطوط نورية تشعّ من مركز النور المكنون في وجوده ، وليست المواهب المعنوية المبثوثة هنا وهناك سوى روافد متصلة ببحره الزخار الممتد ـ (٣).
فالإمام في غيبته يحفظ للمجتمع المسلم باطنه المعنوي الذي وإن كان ظاهره لا يتطابق مع هذا الباطن ، لكن سيأتي اليوم الذي تشعّ فيه أنوار الهداية على الأرض بكاملها.
هذه هي الغيبة في فلسفتها؛ وأبعادها وهي كما تتراءى لنا ليست مفردة عقائدية
__________________
١ ـ محمّد حسين الطباطبائي ، الشيعة ، نص الحوار مع كوربان ، ص ١١٩.
٢ ـ محمّد يعقوب الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ١١٣.
٣ ـ محمّد حسين الطباطبائي ، الشيعة ، ص ٢١٣.