إلا مستخفياً ثمّ يأتي الله بقوم صالحين يملؤونها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ـ (١).
فهؤلاء يعتقدون : أنّ المهدي لا يظهر حتّى تعجّ الأرض بالمظالم والمفاسد ، ولذلك فهم يفهمون أنّه ـ يجب توفير الظلم والجور وترك العمل ضدّه استعجالاً لظهور المهدي ـ (٢) ، ورأينا أنّ الشهيد مطهّري رحمهالله يطلق على هذا التصوّر الساذج تسمية ـ الانتظار المخرّب ـ ؛ لأنّ أصحابه يقِفون ضدّ كلّ إصلاح وتغيير إيجابي في المجتمع ـ لأنّ الإصلاح يشكّل نقطة مضيئة على ساحة المجتمع العالمي ، ويؤخّر الإمداد الغيبي ، كما يعتبر هذا التصوّر كلّ ذنب وتمييز وإجحاف مباحاً؛ لأنّ مثل هذه الظواهر تمهّد للإصلاح العام وتقرّب موعد الانفجار ـ (٣) ، فالتعجيل في هذا المنظور يصطبغ بنوع من الإباحية فتكون إشاعة الفساد أفضل عامل على تسريع الظهور وأرقى أشكال انتظار الفرج.
ويذهب الشهيد مطهّري رحمهالله أنّ الاتجاه المخرّب في فهم الظهور يشترك مع الاتجاه الديالكتيكي في معارضة الإصلاحات واعتبار الظلم والفساد مقدّمة ضرورية لانفجار مقدّس ، ولكن الفرق بين الاتجاهين ـ أنّ الاتجاه الديالكتيكي يعارض الإصلاحات ويؤكّد على ضرورة تشديد الفوضى والاضطرابات انطلاقاً من هدف مشخّص يتمثّل في تعميق الفجوات والتناقضات لتصعيد النضال ، لكن هذا التفكير المبتذل في مسألة المهدي يفتقد هذه النظرة ويرتئي زيادة الظلم والفساد من أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة تلقائياً ـ (٤).
ولا يخفى تهافت هذا التصوّر وتناقضه مع القواعد الإسلامية والموازين الشرعية ، وأهمّها إقامة الحدود والأحكام الإسلامية ومقارعة الظلم والظالمين حيث إنّ غيبة الإمام لا تُبَرّر تجميد هذه الأحكام فهي سارية المفعول والناس مسؤولون عنها ـ ومن الواضح أنّ الاعتقاد بوجود المهدي وغيبته لا يرفعها ولا يخصّصها لضرورة الدين وإجماع المسلمين ، وليس على الفرد المسلم الذي يريد الإطاعة والامتثال إلا أن يراجع الأحكام الإسلامية
__________________
١ ـ المصدر نفسه ، ج ٥١ ، ص ١١٧.
٢ ـ محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ، ص ٣٤٩.
٣ ـ مرتضى مطهري ، نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ ، ص ٤٨.
٤ ـ المصدر نفسه ، ص ٤٩.