ليعرف ما فيها من جوانب شخصية وجوانب عامّة لكي يطبّقها على حياته الخاصّة والعامّة ، ويباشر العمل الاجتماعي العام طبقاً للتكليف الإسلامي بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومكافحة الظلم ـ (١).
ومن جهة أخرى إنّ الظلم والجور لا يقع في عصر ما قبل الظهور بالجبر والإكراه من قبل الله ، وإنّما يحدث نتيجة سوء اختيار الناس واستغراقهم في أهوائهم وشهواتهم وانغماسهم الكلي في رغباتهم وحاجاتهم المادّية غافلين كلّ الغفلة عن الحقّ والدور والرسالة. وتتمثّل مسؤولية الفرد الذي ينسجم في حركته مع التخطيط الإلهي والإرادة الإلهية في انتصار الدين وقيام مجتمع المتقين ، في مقاومة الظلم ومحاربة رموزه لا في الوقوف مؤيّداً له؛ لأنّ شرط الظهور ليس هو امتلاء الأرض ظلماً وانحرافاً تماماً كما يفكّر هؤلاء ، وإلا لما أمكن إصلاحها حينئذٍ ، حتّى مع ظهور الإمام إلا بطريق المعجزة ، وهذا ما لم يرتضه التخطيط منذ البداية.
ومقصود الروايات من الامتلاء سيطرة الكفر على الإيمان مع وجود أنصار للإيمان على قلّتهم وخوفهم ، وبالتأمّل العميق في الحكمة من هذا البلاء العظيم بهيمنة الطاغوت لفترة يتضح لنا أنّ الدرجة العالية من الإخلاص التي يستهدفها التخطيط في أنصار المهدي تتطلّب هذا الجو المليء فتناً ومحناً ، والمؤمنون بحركتهم وجهادهم في هذا الجو الضاغط ، وما يكلّفهم ذلك من ضريبة قوية يصعّدون درجات إخلاصهم ، ويوطنون أنفسهم على التضحيات الكبيرة في سبيل الرسالة ، ـ كما أنّ الأُمّة إذا شاع بين ظهرانيها الظلم والتعسّف وكانت راضية مستجدية تجاهه لا يوجد العمل فيها ضدّه ولا التفكير لرفعه أو التخفيف منه إذن فستكون أُمّة خائنة يتثاقل إخلاصها وينمحي شعورها بالمسؤولية ، وتحتاج في ولادة ذلك عندها من جديد إلى زمان مضاعف ودهر طويل ، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) [ الرعد ].
وليت شعري كيف يكون هؤلاء على مستوى إصلاح البشرية كلّها في اليوم الموعود وهم قاصرون عن إصلاح مجتمعهم الصغير ـ (٢).
__________________
١ ـ محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ، ص ٣٤٩.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٥١.