حتّى يشغله عن تأمّلاته في آلام الإنسان وعذاباته وتفاهة الحياة ، وفي سنّ التاسعة والعشرين فرّ من قصر أبيه واتجه إلى البراري ، التقى هناك باثنين من رهبان البراهمة لكنّه سرعان ما تركهما حين عرف أنّهما يطلبان التقشّف والزهد لذاتهما ، وهو يريد الزهد طريقاً إلى أسرار الكون.
واصل سيره إلى أن بلغ ضفة نهر ـ جاياومو ـ وجلس تحت شجرة ـ البو ـ ، وهناك بدأ في التأمّل الجاد على طريقة الرجال المقدّسين في الهند ، عازماً أن يظلّ في تأمّله على هذا النحو حتّى يصل إلى الاستنارة التي يسعى لها.
بعد مجاهدة روحية أمكنه أن يتغلّب على كلّ العوامل الشريرة التي تربط الناس ، ودخل إلى نطاق العالم الأزلي ، وهكذا استيقظ سدهارتا وصار بوذا أي الرجل المستنير ، ـ ويوضّح التراث البوذي أنّه كان باستطاعته عند هذه النقطة أن يظلّ هكذا دون أن ينشغل أو يهتمّ بالعالم الفاني الزائل ، لكن بوذا رحمة منه وشفقة على جماهير الجنس البشري طرح هذا الإمكان لكي يكرّس نفسه خلال الفترة الزمانية الباقية لإعلان الـ ـ دهاما ـ DAHAMA أو الحقيقة الأزلية التي أيقظته ـ (١).
وما هي النرفانا؟
إنّها تلتقي بالانطلاق عند الهندوسية ، والنجاة عند الجانتية ، إنّها تعني الخلاص من تكرار المولد ، وهي تقوم كما ذكرنا سابقاً على عقيدة تناسخ الأرواح.
لمّا أتت الإشراقة الروحية لبوذا تحت الشجرة المقدّسة وسمع ذلك الصوت يشعّ في داخله ـ نعم ، في الكون حقّ أيّها الناسك ، هناك حقّ لا ريب فيه ، جاهدْ نفسك حتّى تناله ـ ، حاول الشيطان ـ مارا ـ غوايته بهجران عالم الفناء والاستمتاع بعالم النرفانا ، ولكن بوذا أصرّ أنّه لن يترك هذا العالم حتّى يأخذ بأيدي الآخرين على طريق الخلاص ، من هنا قيل : إنّ النرفانا هي التخلّص من رغبات الذات وشهواتها ، وأن يصبح الإنسان سيّد رغباته بفضل قوته الروحية الداخلية.
__________________
١ ـ المصدر نفسه ، ص ٢١٩.