ضدّ الظلم والطغاة مستغلّين المخزون العاطفي العميق لهذا المفهوم وللقائد المنتظر المهدي عجل الله تعالى فرجه ، فظهر في التاريخ الإسلامي مهديون كثيرون ، بل قامت على أساس الدعوة إليه دول ودويلات هنا وهناك.
وهذه الظاهرة جديرة بالدراسة المعمّقة والمتأنّية وهو مالا تتحمّله هذه القراءة السريعة في هذا الفصل.
إنّ أكثر الادعاءات في بعدها الإيجابي تدلّل على عمق تلهّف المسلمين إلى قائدهم المخلّص ، خاصّة حينما كانت تعصف بهم ظروف اجتماعية وسياسية قاهرة.
وقد وظَّف العبّاسيون سياسياً مفهوم المخلّص ـ المهدي ـ ـ فلمّا جاء دور المنصور بعد السفّاح اِستغلّ شيوع كلمة المهدي عند الناس واعتقادهم فيها فلقّب ابنه بالمهدي على أساس هذه الفكرة ، ودعا على أنّه هو المهدي المنتظر ليحيط الخلافة بالسلطان الدنيوي والتقديس الديني وجعله ولي عهده ، وكان تأسيسه للدولة العباسية على أساس ديني بتلقيبه ابنه هذا بالمهدي ، وتسمية أُمّ المهدي بأُمّ الخلفاء تشبهاً بأُمّ المؤمنين ـ (١).
ويقول عبد الرحمن بدوي : ـ فالعبّاسيون قد لجؤوا أيضاً إلى فكرة المهدي في الدعوة إلى أحقّيتهم بالخلافة ، ذكر المسعودي أنّ الخليفة العباسي الأوّل الملقّب بالسفّاح كان يلقّب بالمهدي ، وكذلك ثالث الخلفاء العبّاسيين سمّي المهدي ، وهو الذي خلّف أبا جعفر المنصور ـ (٢).
في المغرب الإسلامي استفاد المعارضون للعبّاسيين من مشاعر السخط والنقمة التي تختلج صدور البرابرة ضدّ السلطة العبّاسية ، وبثّ فيهم أبو عبد الله الشيعي الدعوة للمهدي المنتظر ، وانقلبوا على العبّاسيين ، وظهر عبيد الله المهدي بعد أن وطّن
__________________
١ ـ أحمد أمين ، المهدي والمهدوية ، ص ١٢.
٢ ـ مذاهب الإسلاميين ، ص ٧٩.