وإذا كان عسكر المسلمين مثل نصف عسكر المشركين ، لم يجز لأحد ان يولى الدبر بل وجب عليه الثبات ، الا ان يكون متحرفا لقتال أو يكون في مضيق فينحرف عنه الى موضع يتسع فيه للقتال أو يعين على مجال (١) فرسه ، أو يكون موضعه معطشا فيتحول الى موضع الماء ، أو يكون الريح والشمس في وجوههم يستدبرونها أو يكون متحيزا الى فئة فيتحيز إليها ، وسواء كانت فئة بعيدة أو قريبة ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فاذا انحرف بغير ما ذكرناه كان فارا واستحق العقاب العظيم لقوله سبحانه ( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) (٢).
وإذا لقي واحدا من المشركين وعلم أو غلب على ظنه انه يقتله ، فقد ذكر انه يجوز له الانصراف ، والأقوى عندي خلافه ، وتعويل من خالف في ذلك على قوله سبحانه ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) يصح تناوله لغير هذا الموضع ، لأنه متعبد في جهاد الكفار بالثبات لقوله سبحانه ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٤).
فإذا كان عسكر المشركين أكثر من ضعف عسكر المسلمين ، لم يجب الثبات ، أو يغلب في ظنه انه ان ثبت قتل ، فالأفضل له الثبات فان لم يثبت وأراد الانصراف كان له ذلك ، وقد ذكر ان الجيش إذا بلع اثنى عشر ألفا لم يجز لاحد أن يولى.
ومن كانت له دعوة قد بلغته ، وعلم ان النبي صلىاللهعليهوآله يدعو الى الايمان وشرائع الإسلام ، ولم يقبلوا ذلك مثل الترك والروم والهند والخزر (٥) ومن جرى مجراهم فإنه يجوز للإمام أو من نصبه ان ينفذ الجند لقتالهم من غير ان يقدم النذارة (٦) إليهم ويجوز ان يغير (٧) عليهم.
__________________
(١) اى جولانه.
(٢) الأنفال ، الاية ١٦.
(٣) البقرة ، الاية ١٩٥.
(٤) الأنفال ، الاية ٤٥.
(٥) الخزر : بضم معجمة وسكون زاء وفتحها : جنس من الأمم خزر العيون من ولد يافث بن نوح على نبينا وآله (ع) من خزرت العين إذا صغرت وضاقت.
(٦) النذارة ، الانذار.
(٧) من الإغارة.