وقد علا منهنّ الصراخ والعويل على شبيه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، الذي ستتناهب جسمه السيوف والرماح .
وبرز الفتى مزهوّاً إلى حومة الحرب ، لم يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، وهو يحمل هيبة جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله ، وشجاعة جدّه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، وبأس حمزة عمّ أبيه ، وإباء الحسين ، وتوسّط حراب الأعداء ، وهو يرتجز بفخر وعزّة قائلاً :
أَنا عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ بْنِ عَلِي |
|
نَحْنُ وَرَبِّ البَيْتِ أَولىٰ بِالنَّبِي |
|
تاللهِ لا يَحْكُمُ فِينا ابنُ الدَعِي (١) |
|
أجل يا بن الحسين فخر هذه الاُمّة ، ورائد نهضتها وكرامتها ، أنت وأبوك أحقّ بالنبي صلىاللهعليهوآله ، وأوْلى بمركزه ومقامه من هؤلاء الأدعياء الذين حوّلوا حياة المسلمين إلى جحيم لا يطاق .
وأعلن عليّ بن الحسين عليهالسلام في رجزه عن عزمه الجبّار وإرادته الصلبة ، وأنّه يؤثر الموت على الذلّ والخنوع للدعي بن الدعيّ ، وقد ورث هذه الظاهرة من أبيه سيّد الاُباة في الأرض ، والتحم فخر هاشم مع أعداء الله ، وقد ملأ قلوبهم رعباً وفزعاً ، وقد أبدى من الشجاعة والبسالة ما يقصر عنه الوصف ، ويقول المؤرّخون : إنّه ذكّرهم ببطولات جدّه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام الذي هو أشجع إنسان خلقه الله ، فقد قتل فيما يقول المؤرّخون مائة وعشرين فارساً (٢) سوى المجروحين ، وألحّ عليه العطش ، وأضرّ به الظمأ ، فقفل راجعاً إلى أبيه يطلب منه جرعة من الماء ، ويودّعه
__________________________
(١) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٤٠ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٩٣ . الإرشاد : ٢ : ١٠٦ . مناقب آل أبي طالب : ٤ : ١٠٩ . الفتوح : ٥ : ١١٤ و ١١٥ ، وفي الجميع اختلاف بالأُرجوزة وعدد الأبيات .
(٢) مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ٢ : ٣٠ .