وقفل فخر هاشم إلى ساحة الحرب ، قد فتكت الجروح بجسمه الشريف ، وفتّت العطش قلبه ، وهو لم يحفل بما هو فيه من آلام لا تُطاق ، وإنّما استوعبت مشاعره وعواطفه وحدة أبيه يراه وقد اُحيط به من كلّ جانب ومكان ، وجميع قطعات الجيش متعطّشة إلى سفك دمه لتتقرّب به إلى ابن مرجانة ، وجعل عليّ بن الحسين يرتجز أمام الأعداء :
الحَرْبُ قَدْ بَانَتْ لَهَا حَقَائِقْ |
|
وَظَهَرَتْ مِن بَعْدِهَا مَصَادِقْ |
وَاللهِ ربِّ العَرشِ لَا نُفَارِقْ |
|
جُمُوعَكُم أَوْ تُغْمَدُ البَوارِقْ (١) |
لقد تجلّت حقائق الحرب ، وبرزت معالمها وأهدافها بين الفريقين ، فالإمام الحسين عليهالسلام إنّما يناضل من أجل رفع الغبن الاجتماعي ، وضمان حقوق المظلومين والمضطهدين ، وتوفير الحياة الكريمة لهم ، والجيش الأموي إنّما يقاتل من أجل استعباد الناس وجعل المجتمع بستاناً للأمويّين ، يستغلّون جهودهم ، ويرغمونهم على ما يكرهون ، وأعلن عليّ بن الحسين عليهالسلام في رجزه أنّه سيبقى يناضل عن الأهداف النبيلة والمبادئ العليا حتّى تغمد البوارق .
وجعل نجل الحسين عليهالسلام يقاتل أشدّ القتال وأعنفه حتّى قتل تمام المائتين (٢) .
وقد ضجّ العسكر من شدّة الخسائر الفادحة التي مُني بها ، فقال الرجس الخبيث مرّة بن منقذ العبدي علَيَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه (٣) .
وأسرع الخبيث الدنس إلى شبيه رسول الله صلىاللهعليهوآله فطعنه بالرمح في ظهره ، وضربة ضربة غادرة بالسيف على رأسه ، ففلق هامته ، فاعتنق الفتى فرسه ظنّاً منه أنّه
__________________________
(١) الفتوح : ٥ : ١١٥ .
(٢) مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ٢ : ٣١ .
(٣) مقتل الحسين عليهالسلام / المقرّم : ٣٢٣ . مقاتل الطالبيّين : ١١٥ .