.................................................................................................
______________________________________________________
والوجه فيه : أنّ السفر بعنوانه الأوّلي أعني الابتعاد عن الوطن والانتقال ببدنه إلى خارج البلد لا يكون بما هو محرّماً ما لم ينطبق عليه بعض العناوين الموجبة لذلك من نهي الوالد أو الزوج ، أو الإلقاء في التهلكة وما شاكل ذلك ممّا تقدّم ، أو يكون لغاية محرّمة قد نهى الشارع عنها ، فيجب التمام في كلّ من هاتين الحالتين بمقتضى النصوص كما مرّ (١).
أمّا إذا لم يكن السفر مورداً لانطباق شيء من الحالتين ، فلم يكن محرّماً لا بعنوانه الأوّلي أو الثانوي ، ولا بغايته ، بل كان مقارناً وملازماً لعنوان محرّم من غير انطباق عليه بوجه ، فهو خارج عن نطاق تلك الأدلّة ومحكوم بأصالة القصر.
ولا ريب أنّ الأمثلة المتقدّمة كلّها من هذا القبيل ، ضرورة أنّ الغصب إنّما ينطبق على التصرف في الدار ، أو الكون في الأرض الغصبية ، أو استصحاب مال الغير ، لا على نفس السفر والابتعاد عن الوطن أعني الحركة السيرية الخاصّة من بلد إلى بلد ، وإنّما هو عنوان مقارن معه ، ولا يسري حكم المقارن إلى مقارنة كما هو موضّح في الأُصول في مبحث اجتماع الأمر والنهي (٢).
وعلى الجملة : الركوب على الدابة أو الكون في المكان المغصوب الشاغل للمكان والفضاء شيء ، والسفر والابتعاد وانتقال الجسد من مكان إلى مكان شيء آخر. وليس السير تصرّفاً زائداً على نفس الكون ليكون بحياله مصداقاً للغصب. ولذلك قلنا بجواز الصلاة في المكان المغصوب للمحبوس فيه ، لعدم كون الهيئة الركوعية أو السجودية تصرّفاً آخر زائداً على إشغال الفضاء الذي لا بدّ منه على أيّ حال. وتمام الكلام في محلّه (٣).
__________________
(١) في ص ٩٤ وما بعدها.
(٢) أشار إلى ذلك في محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ١٨٣ ، ٢٦٥ ، ٢٦٩.
(٣) شرح العروة ١٣ : ٢٦.