.................................................................................................
______________________________________________________
البيوت وتخفى الجدران بعد سير خطوات قليلة ، أو يكون المسافر أعمى ، أو يوجد غيم غليظ يمنع عن الرؤية وغير ذلك من الفروض التي لا يتحقّق معها السماع ولا الخفاء ، ومع ذلك يثبت الإفطار والتقصير جزماً.
فليس لهذين العنوانين بما هما كذلك مدخلية في الحكم قطعاً ، بل هما معرّفان لبلوغ الموضع الخاصّ من البعد الذي هو الحدّ والموضوع الواقعي ، أعني الابتعاد من البلد بمقدار لا يسمع الأذان أو تخفى الجدران ، كما يظهر ذلك بوضوح من قوله في رواية إسحاق بن عمار : «أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه» (١) ، حيث دلّ صريحاً على أنّ العبرة ببلوغ موضع لا يسمع الأذان ، أي بهذا المقدار من الابتعاد.
نعم ، الرواية ضعيفة السند وإن عبّر عنها بالموثّقة في كلام جماعة ، لأنّ في سندها محمد بن علي الكوفي الملقّب بأبي سمينة ، ولم يوثق ، فلا تصلح إلّا للتأييد.
وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمل في أنّ الروايات في مقام بيان الحد. وعليه لا يجري في مثله الكلام المتقدّم ، أعني تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر لتكون العبرة بأحدهما ، إذ لا يمكن أن يكون للشيء حدّان إلّا إذا فرضنا تطابقهما في الصدق بحيث لا ينفكّ أحدهما عن الآخر.
ومن الضروري اختلافهما في المقام ، وحصول أحدهما وهو عدم سماع الأذان قبل خفاء الجدران دائماً ، فانّ شعاع البصر ومدى إبصاره أبعد بكثير من مدى الأمواج الصوتية ، ولذا ربما يرى الإنسان في البيداء شخصاً من بعيد ويناديه بأعلى صوته فلا يسمع ، وهذا واضح لكلّ أحد.
على أنّ الأذان لم يعهد وقوعه في آخر البلد ، بل يقع بطبيعة الحال في وسطه أو في المسجد الواقع في وسط المحلّة الأخيرة. فنفس البلد يشغل مقداراً من
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٤٦٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١١ [ولا يخفى أنّه من كلام السائل].