.................................................................................................
______________________________________________________
وحيث إنّ فهم الحدّ المزبور وأنّ هذا موضع يسمع فيه الأذان أو لا يسمع صعب على المسافر جدّاً ، كان التعليق على عدم السماع قليل الجدوى ، لكونه من التعليق على أمر لا يقع خارجاً غالباً.
فمن ثمّ ذكر في صحيح ابن مسلم ضابط آخر يسهل تناوله لكلّ أحد ، ويكون كاشفاً قطعيّاً عن حصول ذلك الحدّ ، لكونه القدر المتيقّن من البُعد اللّازم رعايته وهو التواري عن البيوت الذي هو أخصّ من عدم سماع الأذان ، لكون البعد في مورده أزيد كما مرّ.
فاذا بلغ المسافر موضعاً خفيت عليه الجدران وتوارى عن البيوت إذا نظر إليها وهذا شيء يعرفه كلّ أحد فقد أحرز بلوغه بل وتجاوزه عن الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان ، الذي هو الحدّ الواقعي للترخّص. وبذلك تندفع المعارضة بين هذه الصحيحة وبين تلك الأخبار التي جعل فيها المدار على عدم سماع الأذان.
فإن أمكن الجمع بهذا النحو فهو ، وإلّا فتصل النوبة إلى المعارضة. ولا ينبغي الشكّ حينئذ في تقديم تلك الأخبار لكثرتها وشهرتها ، بل ومعروفية التحديد بخفاء الأذان ومغروسيته في الأذهان عند أصحاب الأئمة ، بحيث كان أمراً مسلّماً مفروغاً عنه كما يظهر من رواية إسحاق بن عمار المتقدّمة ، المشتملة على قول السائل : «أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم» وإن كانت الرواية ضعيفة السند كما مرّ ، فلا تصلح إلّا للتأييد ، هذا.
مع أنّ تلك الأخبار موافقة للنصوص الكثيرة المتضمّنة لوجوب التقصير على كلّ مسافر ، للزوم الاقتصار في مقام التخصيص على المقدار المتيقّن ، وهو بلوغ الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان ، إذ لا ريب أنّ تلك الأخبار بمثابة التخصيص في أدلّة عموم القصر لكلّ مسافر. ومن ثمّ لو لم يرد دليل على اعتبار حدّ الترخّص لقلنا بوجوب التقصير من أوّل خروج المسافر من البلد أخذاً