وهكذا عالج الحسن عليهالسلام الانشقاق المستعصي بأطروحة التنازل المشروط : بان تكون الدولة واحدة وان يكون معاوية أول رئيس لمبايعة أهل الشام له ثم يكون الحسن بعده لمبايعة أهل العراق بشروط يضعها الحسن لضمان مصالح شيعته دون المساس بمصالح أهل الشام.
ويتضح من ذلك ان الحسن يهمه ان تتوحد الأمة على حاكم وان يتقيد هذا الحاكم بشروط تضمن مصلحة شعبه الذي بايعه من دون المساس بمصلحة أهل الشام ولا يهمه ان يلي الحكم بعد معاوية ، اما معاوية فيهمه ان يحكم سواء على الشام وحدها بسيرة الشيخين أو على الأمة كلها من دون سيرة الشيخين.
ويتضح من ذلك أيضا ان الحسن يريد المبدأ وليس الملك فهو مستعد ان يسلم الملك لخصمه بشرط العمل بالكتاب والسنة (١) فهو على سر أبيه علي حين رفض الملك المشروط بسيرة الشيخين لأنها اجتهاد مخالف للكتاب والسنة كلاهما لا يهمهما الحصول على الملك كيفما اتفق ولا يهمهما التمسك بالملك بأي صورة.
وان معاوية يريد الملك وليس المبدأ نظير سلفه عثمان من قبل حين قبل الملك بشرط العمل بسيرة الشيخين مع انها اجتهاد مخالف للكتاب والسنة.
والحسن عليهالسلام بطريقة التفكير هذه كان واثقا كل الثقة أنَّ أهل الشام فضلا عن شيعة أبيه سوف يستقبلون صيغته للصلح لما يرون فيها من حفظ مصالح واختيارات الجميع ونكران للذات من الحسن عليهالسلام يشهده الجميع.
وهكذا كان الأمر.
وطار معاوية فرحاً حين بلغته أطروحة الحسن عليهالسلام وهي : ان تكون دولة واحدة
__________________
(١) أقول : لابد من الإشارة إلى ان للحسن عليهالسلام ولكل الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام صفتان ؛ الأولى كونه إماما هاديا معصوما وهذه الصفة تنتقل اليهم بالوصية عن النبي صلىاللهعليهوآله ، الثانية كونه حاكما على الأمة ببيعتها له وهذه الصفة الأخيرة من لوازم الصفة الأولى وهي ذات مستويين : الأهلية ولا تنفك عنه بحال أيضا وعلى الأمة ان تقدم على بيعته على الحكم ولا تبايع غيره ، وللإمام ان يقبل البيعة وله ان يرفضها تبعا للظرف وقدرة المبايعين ، الثاني الفعلية وللإمام ان يتنازل عن الحكم أو يجمده لوقت ما تبعا للمصلحة العامة التي يقدرها وعلى الأمة ان تستجيب له لعصمته اما في عصر الغيبة فالمؤهل للحكم هو كل فقيه عادل تراه الأمة كفوءا والتفصيل في موضع آخر.