رسوله قرابتين : قرابة الدين ، وقرابة الرحم. إلى من سبق الناس إلى كلّ مأثره. إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون ، فقرب منه وهم متباعدون ، وصلّى معه وهم مشركون ، وقاتل معه وهم منهزمون ، وبارز معه وهم مُحجِمون ، وصدّقه وهم يُكذّبون. إلى من لم تُردّ له رواية ولا تُكافأ له سابقة ، وهو يسألكم النصر ، ويدعوكم إلى الحقّ ، ويأمركم بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته ، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ، ومثّلوا بعمّاله ، وانتهبوا بيت ماله ، فاشخصوا إليه رحمكم الله ، فمُروا بالمعروف ، وانهَوا عن المنكر ، واحضروا بما يحضر به الصالحون. (١)
قال أبو مخنف : حدثني جابر بن يزيد ، قال : حدثني تميم بن حذيم الناجي ، قال : قدم علينا الحسن بن علي عليهالسلام وعمار بن ياسر ، يستنفران الناس إلى علي عليهالسلام ، ومعهما كتابه ، فلما فرغا من قراءة كتابه ، قام الحسن ـ وهو فتى حدث ، والله اني لأرثي له من حداثة سنه وصعوبة مقامه ـ فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه ، وكان عليلا من شكوى به ، فقال : الحمد لله العزيز الجبار ، الواحد القهار ، الكبير المتعال ، (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار). أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أمتن علينا بنبوته ، واختصه برسالته ، وأنزل عليه وحيه ، واصطفاه على جميع خلقه ، وأرسله إلى الإنس والجن ، حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان ، وجحد الرحمن ، فصلى الله عليه وعلى آله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين.
أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون ، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ أرشد الله أمره ، وأعز نصره ـ بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب ، وإلى العمل بالكتاب ، والجهاد في سبيل الله ، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون ، فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله. ولقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وحده ، وأنه
__________________
(١) شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف عن موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ج ١٤ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، وقد تقدم الخبر.