وقال أيضا : وما كان عبد الملك مع فضله وأناته وسداده ورجحانه ، ممن يخفى عليه فضل علي ، وان لعنه على رؤوس الاشهاد ، وفي اعطاف الخطب ، وعلى صهوات المنابر ، مما يعود عليه نقصه ويرجع إليه وهنه ، لانهما جميعا من بني عبد مناف ، والأصل واحد ، ولكنه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف ، وان يقرر في انفس الناس ان بني هاشم لاحَظّ لهم في هذا الأمر ، وان سيدهم الذي يصولون به ويجولون ، وبفخره يفخرون ، هذا حاله وهذا مقداره ، فيكون من انتمى إليه ويدلي به عن الأمر أبعد ، وعن الوصول إليه اشحط. (١)
وقد بلغ الأمر ببني أمية انهم لا يحتملون لشخص ان يجمع بين اسم علي وكنيته.
روى ابن سعد في ترجمة علي بن عبد الله بن عباس قال : ويكنى أبا محمد ، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رحمة الله عليه في شهر رمضان سنة أربعين ، فسمي باسمه وكني بكنيته أبي الحسن ، فقال له عبد الملك بن مروان : لا والله لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعا ، فغير أحدهما فغير كنيته فصيرها أبا محمد. (٢)
ثم تمادى بهم الأمر إلى انهم صغَّروا كل عَلِيّ فقالوا عُلَيّ.
قال ابن حبان في ترجمة علي بن رباح اللخمي (٣) : وهو الذين يقال له : عُلَيّ بن
__________________
يابن عبد العزيز لو بكت |
|
العين فتى من أمية لبكيتك |
غير اني أقول انك قد طبت |
|
وان لم يطب ولم يزك بيتك |
انت نزهتنا عن السب والقذف |
|
فلو امكن الجزاء جزيتك |
(ديوان الشريف الرضي ، دار صادر ١٩٦١ م).
وقد ذكر البلاذري في انساب الاشراف ج ٨ ص ١٩٥ رواية المدائني عن عمر بن عبد العزيز قوله : نشأت على بغض علي لا اعرف غيره ، وكان أبي يخطب فإذا ذكر عليا ونال منه تلجلج ، فقلت : يا أبه انك تمضي في خطبتك فإذا اتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا ، قال : أفطنت لذلك؟ قلت : نعم! قال : يا بني ان الذين من حولنا لو نعلمهم من حال علي ما نعلم تفرقوا عنا.
أقول (وفي ج ٨ ص ١٨٤) قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عامله على الكوفة : اما بعد فقد بلغني ان من قبلك يسبون الحجاج فانهم عن ذلك.
(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٥٧.
(٢) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، ج ٥ ص ٣١٢. أقول : كان هذا من عبد الملك في أيام خلافته وتوفي علي بن عبد الله بن عباس سنة ١١٨.
(٣) علي بن رباح روى له الاربعة ومسلم والبخاري في الادب المفرد ، روى عن عمرو بن العاص وسراقة بن مالك بن جعشم وفضالة بن عبيد والمستورد بن شداد وعتبة بن النذر ومعاوية بن أبي