فبلغ ذلك ابن هاشم وهو في الحبس ، فقال أبياتا وبعث بها إلى معاوية فقال :
معاوي إنّ المرء عمرا أبت له |
|
ضغينة صدر غشّها غير نائم |
يرى لك قتلي يا ابن هند وإنّما |
|
يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم |
على أنهم لا يقتلون أسيرهم |
|
إذا كان فيه منعة للمسالم |
وقد كان منا يوم صفّين نقرة |
|
عليك جناها هاشم وابن هاشم |
هي الوقعة العظمى التي تعرفونها |
|
وما مضى إلّا كأحلام نائم |
مضى من قضاء الله فيها الذي مضى |
|
وما مضى إلّا كأضغاث حالم |
فإن تعف عنّي تعف عن ذي قرابة |
|
وإن تر قتلي تستحل محارمي |
قال : فعفا عنه معاوية ، وكسّاه ، وخلّى سبيله وأحسن إليه. (١)
التعليقة رقم ١٤ :
أقول : ولكن القاضي المغربي روى عن تميم بن مالك القرشي قال : كتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد : أن ابعث لي خطباء أهل العراق : وابعث إلي صعصعة بن صوحان. ففعل. فلما قدموا على معاوية خطبهم. فقال : (مرحبا بكم يا أهل العراق) قدمتم على إمامكم ، وهو جنة لكم يعطيكم مسألتكم ، ولا يعظم في عينه كبيرا ، ولا يحقر لكم صغيرا ، وقدمتم على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء. ثم قال في خطبته : ولو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا. ولما فرغ من خطبته : قال لصعصعة : قم واخطب يا صعصعة. فقام صعصعة : فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم قال : إن معاوية ذكر إنا قدمنا على إمامنا وهو جنة لنا فما يكون حالنا إذا انخرقت الجنة ، وذكر إنا قدمنا على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء. فالمحشر والمنشر لا يضر بعدهما مؤمنا ولا ينفع قربهما كافرا. والأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يقدس العباس أعمالهم. ولقد وطأها من الفراعنة أكثر مما وطأها من الأنبياء. وذكر إن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا ، فقد ولدهم من هو خير من أبي سفيان آدم (صلوات الله عليه) فولد الكيس والأحمق (والجاهل والعالم). ـ فغضب معاوية ـ وقال : اسكت
__________________
(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٣٣ ص ٣٤٦.