العلم ومذاكرة الفقه ورواية الحديث. فكان فيمن دخل عليه منهم : مالك بن انس فقال له أبو جعفر : رأيت اني اجلسك في هذا البيت ، فتكون من عمّار بيت الله الحرام ، واحمل الناس على علمك ، واعهد إلى أهل الأمصار يوفدون إليه وفدهم ويرسلون إليك رسلهم في أيّام حجهم ، لتحملهم من أمر دينهم على الصواب والحق ان شاء الله ، وإنما العلم علم أهل المدينة وانت اعلمهم.
فقال مالك : يا أمير المؤمنين ان أهل العراق قد قالوا قولا تعدوا فيه طورهم ، ورأيت اني خاطرت بقولي لأنهم أهل ناحية ، واما أهل مكة فليس بها أحد ، وإنما العلم علم أهل المدينة ، كما قال الأمير ، وان لكل قوم سلفاً وائمة. فإن رأى أمير المؤمنين اعز الله نصره إقرارهم على حالهم فليفعل.
فقال أبو جعفر : اما أهل العراق فلا يقبل أمير المؤمنين منهم صرفاً ولا عدلا ، وإنما العلم علم أهل المدينة. (١)
وفيه أيضاً : قال أبو جعفر : يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه ودون منه كتباً ، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس ، وشواذ ابن مسعود ، واقصد إلى اواسط الأمور ، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة رضياللهعنهم ، لنحمل الناس ان شاء الله على عملك وكتبك ، ونبثها في الأمصار ، ونعهد اليهم ان لا يخالفوها ، ولا يقضوا بسواها.
فقلت له : اصلح الله الأمير ، ان أهل العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر : يُحمَلون عليه ، ونضرب عليهه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طيَّ ظهورهم بالسِّياط ، فتعجل بذلك وضعها. (٢)
مالك ينهى عن الأخذ عن أهل العراق :
روى الفخر الرازي عن محمد بن إسحاق المسيبي (ت ٢٣٦ هـ) قال حدثني أبي انه لما صلى بالناس بالمدينة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم. قال فأتاني الأعشى أبو بكر (٣) بن
__________________
(١) ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، ج ٢ ص ١٤٢.
(٢) ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ج ٢ ص ١٥٠.
(٣) البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن