ورجع علي عليهالسلام الى الكوفة واتخذها مقرا لمشروعه ودولته ، وانطلق منها الى الشام ليستردها من معاوية وكادت المعركة في صفين وهي اعظم معركة في تاريخ الاسلام ان تحسم الامور لصالح علي عليهالسلام لولا اعلان نصف جيش علي تجاوبهم مع الشعار الذي اعلنه معاوية بالاحتكام الى القرآن وكان هذا النصف لم يستجب لمشروع علي ولم يقاتل معه على اساس العقيدة بإمامته المنصوصة ولا البصيرة بمعاوية ومكرة ودهائه.
بخلاف النصف الاخر الذي كان يقوده مالك الاشتر ونظراؤه ممن كانوا على بصيرة بخطة معاوية وايمان بعلي وصيا للنبي ، فقد كان مالك يخطب في اصحابه ويقول :
(إن هؤلاء القوم لن يقارعوكم إلا عن دينكم ، ليطفئوا السنة ، ويحيوا البدعة ، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة). (١)
واسترد معاوية بشعار (الاحتكام الى القرآن) (٢) انفاسه وحافظ على وجوده ورجع الى الشام وقد قوي امله بتأسيس الدولة الاموية الثانية امتدادا للدولة الاموية الاولى واطروحتها الفكرية واستطاع ان ينطلق من امرين الاول جهل اهل الشام بموقع علي عليهالسلام من النبي وتاريخ معاوية وابيه في بدر واحد والخندق ضد النبي صلىاللهعليهوآله الثاني : ثقتهم التفصيلية بمعاوية بصفته وليا عليهم وممثلا للخلافة القرشية مدة ثلاثين سنة ، ومن ثم اسس اعلاما كاذبا في حق علي عليهالسلام اعطى خطوطه للقصاصين الذين اصطحبهم معه يقصون بعد كل صلاة ، تمثل هذا الاعلام الكاذب بإلقاء التبعة في قتل عثمان على علي واصحابه وهو الذي اعلنه قادة قريش في الجمل ، وان عليا يقاتل من اجل الملك الذي كان يطمع به بعد وفاة النبي ولم يوله المسلمون اياه وانتهاء بوصفه ملحدا في الدين وكونه نهض لتغيير سنن الخليفة عمر في الصلاة والحج وفي ضوء ذلك فانه يجب البراءة منه
__________________
(١) ابن مزاحم ، وقعة صفين ص ٢٥١ ، وقوله رضياللهعنه (ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة) هذا الامر هو اعتقادهم امامة علي بالنص. فهو يحتاج الى حسن بصيرة من الانسان ليفارق العقيدة بإمامة قريش ويعتقد بإمامة علي عليهالسلام. ومن ليس له حسن بصيرة يكون مصداقا لقوله تعالى (وكأين من آية في السماوات والارض يمرّون عليها وهم عنها معرضون) يوسف / ١٠٥ ، واحاديث النبي يفي علي بمناسبة الغدير وغيره آيات الهية لأنه لا ينطق عن الهوى.
(٢) أقول : لم يكن ليؤثر هذا الشعار في جيش علي واغلبهم من مسلمة الفتوح لولا التربية التي نشأوا عليها زمن الخلافةمدة ربع قرن تقريبا وقد حمل الخوارج فيما بعد هذا الشعار (لا حكم الا لله) ،