وها هو علي يرفض الملك حين يشترط عليه العمل بخلاف سنة النبي ،
وها هو الحسن يسلم الملك بشرط عدم تبني الحاكم العمل بسيرة الشيخين مضافا الى ذكر علي بخير.
وها هو الحسن يحيي سيرة ابيه علما وعبادة وزهدا وسلوكا ، تبين للناس خلال السنوات العشر التي عاشروه فيها كما وصفه حفيده الامام الصادق عليهالسلام.
وصلهم وصف ضرار لعلي بل سمعوه منه في بلاط معاوية حين طلب منه أن يصف عليا عليهالسلام واصر عليه فنهض قائلاً :
(كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ العَبرة ، طويلَ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّقتِ.
هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير.
آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف دموعه على لحيته وقوله : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك.
وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية : عن مدى حزنه على علي.
قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها. (١)
__________________
(١) قال ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة ج ٨١ ص ٢٢ : بعد ان اورد وصف ضرارا : إن الرياشي روى خبره ، ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في التذييل على نهج البلاغة ص ٢٢٥.