دفنا (١). وهكذا كان امره حين كتب الى عماله في الامصار.
قال المدائني : كتب معاوية الى قضاته وولاته في الامصار ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة. ثم كتب ايضاً : انظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً واهل بيته فامحوه من الديوان. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فأقتلوه!. ثم كتب : (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فأدعوا الناس إلى الرواية
__________________
(١) قال المسعودي في مروج الذهبي ج ٣ ص ٤٥٥ وفي سنة اثنتي عشرة ومائتين نادى منادي المأمون : برئت الذمة من احد من الناس ذكر معاوية بخير او قدمه على احد من اصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتكلم في أشياء من التلاوة انها مخلوقة ، وغير ذلك ، وتنازع الناس في السبب الذي من أجله أمر بالنداء في أمر معاوية ، فقيل في ذلك أقاويل : منها أن بعض سُمّاره حدث بحديث عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي ، وقد ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار في كتابه في الاخبار المعروفة بالموفقيات التي صنفها للموفق ، وهو ابن الزبير ، قال : سمعت المدائني يقول : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة : وَفَدْتُ مع أبي المغيرة الى معاوية ، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغنما ، فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال : يا بني ، إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدْلاً وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، فقال لي : هيهات هيهات!! مَلكَ أخو تيمٍ فعدل وفعل ما فعل ، فو الله ما عدا ان هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عَدِي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فعل به ، وإن أخا هاشم يُصْرَخُ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أمَّ لك ، والله ألا دفنا دفنا ، وإن المأمون لما سمع هذا الخبر بعثه ذلك على أن أمر بالنداء على حسب ما وصفناه ، وانشئت الكتب الى الآفاق بلعنه على المنابر ، فأعظَم الناسُ ذلك وأكبروه ، واضطربت العامة منه فأشيرعليه بترك ذلك ، فأعرض عما كان هَمَّ به.
قال العلامة المجلسي في بحار الانوار ، ج ٣٣ ص ١٧٠ : في شرح قوله (الله ألا دفنا دفنا) : أي أقتلهم وأدفنهم دفنا ، أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر. أقول : بل اراد الامرين معا كما في قول امير المؤمنين : والله لودَّ معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه إطفاء لنور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (٢٨٨). المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ١٩ ، طبعة يوسف اسعد.