ظاهرة ، وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الأسنّة في نهار تلك الليلة ، فقال في خطابه : « قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي ، وما قد فني فيه من العرب ، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ ، فما رأيت مثل هذا اليوم قط ، إلاّ فليبلّغ الشاهد الغائب ، انّا إن نحن توافقنا غداً انّه لفناء العرب وضيعة الحرمات ، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحتف ولكنّي رجل مسنّ اخاف على النساء والذراري غداً إذا فنينا.
قال صعصعة : فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث ، فقال : أصاب وربّ الكعبة ، لئن نحن التقينا غداً لتميلنّ الروم على ذرارينا ونسائنا ، ولتميلنّ أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم ، وأنّما يبصر هذا ذووا الأحلام والنهى ، اربطوا المصاحف على أطراف القنا.
فصار أهل الشام فنادوا في سواد الليل : يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا ومن لذراريكم إن قتلناكم ، الله الله في البقية. فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلَّدوها الخيل ... (١).
٦ ـ إنّ رفع المصاحف أوجد الفوضى في جيش علي عليهالسلام وفرّقهم إلى فرقتين ، فمنهم من يطلب مواصلة الحرب كعمروبن الحمق وغيره ، ومنهم من يصرّ على إنهائها ، ومنهم الأشعث فقام خطيباً مغضباً فقال : يا أمير المؤمنين أجب القوم إلى كتاب الله فإنّك أحقّ به منهم ، وقد أحبّ الناس البقاء وكرهوا القتال (٢).
٧ ـ وبعدما رضي الإمام بالتصالح لاُمور تقدّمت ، وتوافق الطرفان على أن يبعث كلّ واحد حكماً ، اختار الإمام أن يكون الحكم من قِبَلِه ، ابن عباس ،
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٤٩ ـ ٥٥٠.
٢ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٥١.