وأمّا المستورد ، فقد ذكر الطبري في تاريخه (١) وابن الأثير في كامله (٢) ثورته على وجه التفصيل ونحن نذكر ملخّصها حسب ما قام به الدكتور نايف معروف في كتابه « الخوارج في العصر الأموي » : وأمّا المستورد ، فإنّه نزل داراً في الحيرة بعيداً عن أعين الحرّاس. ولكن لمّا أخذت الخوارج تفد عليه ، وانكشف أمره ، أمر أصحابه بالرحيل عنها ، فتحوّلوا إلى دار سليم بن مخدوج العبدي ، في بني سلمة من عبد القيس ، وكان صهراً للمستورد لايرى رأيه في الخروج. ولمّا شاع خبرتحرّك الخوارج ، أدرك المغيرة خطورة الأمر ، فجمع رؤساء القبائل وخطبهم فقال : فليكفين كلّ امرىء من الرؤساء قومه ، وإلاّ فو الذي لا إله غيره لأتحولنّ عمّا كنتم تعرفون إلى ما تنكرون ، وعمّا تحبّون إلى ما تكرهون فلا يلم لائم إلاّ نفسه ، وقد اُعذر من أنذر.
أخذ زعماء القبائل انذار المغيرة موضع جدّ واهتمام ، فعادوا إلى قبائلهم وبادروا في البحث عن مثيري الفتنة في صفوفهم ، وجاء صعصعة بن صوحان إلى عبدالقيس ، فحذّرهم من إيواء هؤلاء المارقة ، فتراجع كثيرون عن اللحاق بالخوارج.
ولمّا علم المستورد بتهديد المغيرة لرؤساء القبائل ، وتجنباً لاحراج أصهاره ، أمر أصحابه بالرحيل ، فخرجوا عن ديار عبدالقيس ، وساروا إلى الصراة ومنها إلى « بهرسير » وعزموا على دخول المدينة العتيقة التي كانت بها منازل كسرى فردّهم عنها عاملها سماك بن عبيد الأزدي العبسي. ثم حاول أن يردّهم عن خروجهم ، ويأخذ لهم الأمان ، فأبي المستورد ، وعبر « جراجرايا » ومضى بأصحابه إلى أرض جوخى ، حتى بلغ المذار ، ونزلوا
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ١٣٨ ـ ١٦١.
٢ ـ ابن الأثير : الكامل ٣ / ٢١٢ ـ ٢١٧.