كان هذا هو الحافز لتلك الثورات والانتفاضات الفاشلة ، فلو وجدنا في صحيفة حياة الخوارج نقطة بيضاء فهذه النقطة المشعّة التي اعترف بها الإمام عليّ عند توصيفهم بقوله ، « لا تقتلوا الخوارج من بعدي ، فإنّه ليس من طلب الحق فأخطاه كمن طلب الباطل فأصابه » (١).
فإنّهم كانوا يرون باُمّ أعينهم ، كيف شاع الفساد ، ودبّ العيث بين الحكّام ، فركبت اغيلمة بني اُميّة على رقاب الناس ، واستأثروا بالفيء ، فكان ذلك هو السبب لقيام لفيف منهم ضدّ الحكومات ، وأما مسألة التحكيم التي كانت هي المستمسك الأوّل للمخالفة فكأنها صارت منسية أو تناساها القوم ، فكانوا يبّررون قيامهم بأنّهم بصدد بسط العدل والقسط وازالة الظلم والجور عن المجتمع وإعادة الصلاح والفلاح إلى الساحة الاسلامية.
ولكن لم يكن النجاح حليفاً لهم ، لأنّهم راهنوا في الساحة السياسية على جوادين خاسرين.
أحدهما : الاعتماد على الأساليب الاجرامية للنيل بالهدف ، وكأنّهم كانوا ينتحلون مبدأ « الغايات تبرّر الوسائل ».
الثاني : المظاهرة بالعداء لعليّ وأهل بيته.
أمّا الأوّل : فكانوا يستعرضون الناس ويفّتشون عن عقائدهم ، ثم يقتلون الأبرياء ، بحجّة أنّهم لم يكفّروا عثمان وعليّاً ، أو غيرهما ممّن كانوا يخالفونهم ، وهذا هو الذي صار سبباً لرغبة الناس عنهم ، وعدم ايوائهم بل طردهم والتعاون مع الحكومات ضدّهم في بعض الموارد ، إذ كيف يصحّ لمسلم أن يشهر سيفه ، ويعترض الطريق ، ويفّتش عن العقائد التي لاصلة لها بالإسلام الذي جاء به النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا الإسلام معقود بها ، ولا هي حد الكفر
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٦١.