صفات قائمة بذاتها ولا منفكّة عن الذات فليس لها كينونة مستقلّة عن الذات ، فهذا هو ما يقوله الاباضية في الصفات أيضاً ، وربّما يلتقي الاباضية والماتريدية في هذه المسألة حتى في التعبير واختيار الكلمات (١).
إنّ البحث عن الصفات من أهم المسائل الكلامية ، فقد طال النقاش فيها قروناً ، وأوّل من أصحر بالحقيقة ، وصوّر التوحيد بأعلى مظاهره هو الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام فنفى زيادة صفاته على ذاته ، وإنّه عين ذاته ، لا بمعنى نفي صفاته ، تعالى عنه علوّاً كبيراً ، بل بمعنى أنّ الذات بلغت من الكمال والعلو مرتبة صارت نفس العلم ، والقدرة ، والحياة ، وليس هناك صفات قديمة وراء الذات حتى يناقض التوحيد ويكون هناك قدماء كثيرة وراء الذات ، وكون العلم والقدرة والحياة فينا اُموراً قائمة بالمادة أو بالموضوع ، لايكون دليلا على كونها كذلك في جميع المراتب ، إذكما أنّ من العلم ممكناً ، فكذا منه واجباً ، فلولم يكن الممكن قائماً بالذات ، فلايكون دليلا على كونه كذلك عند ما كان واجباً ، والحكم بالتوحيد وانّه لاواجب سواه ، يجرّنا إلى القول بعينية صفاته مع ذاته ، وقد أوضحنا الحال فيها في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند البحث عن عقائد المعتزلة ، ولايبعد أن يتأثّر الخوارج في هذه المسألة بالمعتزلة كما أنّ المعتزلة اخذت هذا الأصل من خطب الإمام أميرالمؤمنين وكلماته ، بل لايبعد أن يكون الجميع قد أخذوا من الإمام أميرالمؤمنين عليهالسلام.
والعجب انّ هذه النقطة من النقاط الوضّاءة في عقائد الاباضية ، مع أنّهم لايركّزون على ذلك الأصل خوفاً من مخالفة الأشاعرة ، وطفقوا يبحثون بين الكتب الإسلامية حتى يجدوا موافقاً لهم من أهل السنّة حتى استبان لهم أنّ الماتريدية من أهل السنّة يوافقونهم.
__________________
١ ـ علي يحيى معمر : الاباضية بين الفرق الإسلامية ١ / ٢٩٥.