إذ ليس الاعتقاد بالحدوث والقدم في القرآن من الأصول العقائدية التي يناط بها الإسلام والكفر ، غير أنّه لو كان هذا هو الأصل الثابت في جميع المواقف فليضرب هذا الكاتب الاباضي صفحاً على الأصول التي اتّخذها اُصولا لمذهبه كمسألة التحكيم وولاء المحكّمة الاُولى ، أو ليس ذلك أوفق بالتقريب وتوحيد الاُمّة وجعلهم صفّاً واحداً في مقابل الأعداء؟
إنّ البحث عن التحكيم والمحكّمة وخلق القرآن وعدمه ومايأتي من الاُصول الاُخرى للاباضية من خلود الفاسق في النار وعدمه ، وكونه كافراً كفر النعمة ، بحوث علمية يختصّ فهمها بالمحقّقين والوعاة من علماء الإسلام ، فالتحيّز إلى هذه الاُصول وجعلها محاور للحقّ والباطل والإسلام والكفر ، لايدعمه الكتاب ولا يوافقه العقل ، فليكن شعار الجميع ما سمحت به قريحة شاعر الأهرام :
إنّا لتجمعنا العقيدة أمّة |
|
ويُضمّنا دين الهدى أتباعا |
ويؤلّف الإسلام بين قلوبنا |
|
مهما ذهبنا في الهوى أشياعا |
والحق إنّ الخوارج بالمعنى العام الذي يعمّ الاباضية لم يكن يوم ظهورها إلاّ حزباً سياسيّاً يهدف إلى تخطئة مسألة التحكيم مع عزل علي عن الحكومة والدعوة إلى بيعة رئيس المحكّمة الاُولى عبدالله بن وهب ، ولم يكن لهم يومذاك أي شأن في المسائل العقائدية الماضية ، ولمّا قضى عليٌ نحبه واستولت الطغمة الغاشمة من الأمويين والمروانيين على منصَّة الحكم ، صار الخوارج يكافحون الحكومات ، ويصارخون في وجوههم للقضاء عليهم ولم يكن لهم في هذه الأيّام أيضاً إلاّ هذا الأصل ، غير أنّ مرور الزمن وتلاقي الخوارج مع المعتزلة وغيرهم من الطوائف الإسلامية ، ألجأهم إلى أن يّتخذوا في بعض المسائل موقفاً فكريّاً ، فعند ذلك أصبحوا جمعيّة دينية وفرقة كلامية بعد ما كانوا حزباً سياسياً بحتاً