٨ ـ إنّ جابراً أخذ عن عبدالله بن مسعود وجابر بن عبدالله وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ، وقال : كان جابر بن زيد يلتقي باُمّ المؤمنين عائشة ويأخذ عنها العلم ويسألها عن سنّة الرسول ، وقد سألها يوماً عن جماع النبي وكيف كان يفعل ، وانّ جبينها يتصبّب عرقاً وتقول عائشة : سل يا بُنيّ ، ثم قالت له ممّن أنت؟ قال : من أهل المشرق من بلد يقال لها عُمَان.
ولمّا كان هذا السؤال بظاهره بمعزل عن الوقار علّق عليه صاحب « تحفة الأعيان » بقوله : المراد انّه سألها عن مقدّمات الجماع التي يجوز السؤال عنها حرصاً منه رضياللهعنه على نقل السنّة وجمعها كي يكون المسلم مقتدياً برسول الله في كل أعماله دقيقها وجليلها.
يلاحظ عليه : أنّه لو صحّ السؤال لما نفع هذا التعليق وأمثاله ممّا حشدها مؤلّف الكتاب وهو يعرب عن سذاجة الرجل وعدم عرفانه بموضع السؤال والمسؤول ، والعجب انّ جواب اُمّ المؤمنين لم يذكر في هذه الكتب ولم تصل السنّة إلى أيديهم ، ولعلّ تكذيب أصل القضية أولى من توجيهها.
وهناك ملاحظة حول حياة جابر وهو أنّ صلاته خلف الحجاج تبرّرها التقية ، وأمّا أخذ الجوائز الذي هو بمعنى دعم ولايته واضفاء المشروعية عليها ، فهل تبرّره التقيّة؟ أو كان من واجبه التخلّي عنها كما تخلّى عن قبول القضاء؟
إنّ ما جاء في هذه الكلمات من كون الرجل اباضياً مدعماً لمبدئه قاصر عن افادة الاطمئنان والاذعان ، فإنّ التقيّة أمر مشترك بين الاباضية وغيرهم ، فالذي يوجب تقدير الرجل بل تقدير تلك الطائفة ، انّهم يملكون الشجاعة الأدبية في الاجهار بجواز التقية والسلوك عليها في حياتهم ، بينما يفقدها غيرهم من فرق أهل السنّة ، فهم يعملون بالتقية في حياتهم السياسية والاجتماعية ولكن لايجاهرون بجوازها لو لم يكونوا مجاهرين بحرمتها!