وقد كان عبدالله بن عامر ، عامل عثمان على البصرة ، هربَ منها حين أخذ البيعة لعلي بها على الناس ، جاريةُ بن قدامة السعدي ، ومسير عثمان بن حنيف الأنصاري إليها على خراجها من قِبَلِ علىّ.
وانصرف عن اليمن عاملُ عثمان وهو يعلى بن متيه فأتى مكّة وصادف بها عائشه وطلحة والزبير ومروان بن الحكم في آخرين من بني اُميّة ، فكان ممّن حرّض على الطلب بدم عثمان وأعطى عائشة وطلحة والزبير أربع مائة ألف درهم وكراعاً وسلاحاً وبعث إلى عائشة بالجمل المسمّى « عسكرا ». وكان شراؤه عليه باليمن مائتي دينار فأرادوا الشام فصدَّهم ابن عامر ، وقال لهم : إنّ معاوية لا ينقاد اليكم ولايعطيكم من نفسه النصفة ، لكن هذه البصرة لي بها صنائع وعدد.
فجهّزهم بألف ألف درهم ، ومائة من الابل وغير ذلك ، فسار القوم نحو البصرة في ستمائة راكب ، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب ، يعرف بـ« الحوأب » عليه اُناس من بني كلاب فعوت كلابهم على الركب ، فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها : « الحوأب » ، فاسترجعتْ ، وذكرت ما قيل لها في ذلك (١) وقالت : رُدّوني إلى حرم رسول الله ، لاحاجة لي في المسير ، فقال الزبير : تالله ما هذا « الحوأب » ، ولقد غلط في ما أخبرك به ، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم بالله إنّ ذلك ليس بالحوأب وشهد معهما خمسون رجلا ممّن كان معهم.
فأتوا البصرة فخرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم وجرى بينهم قتال ، ثم إنّهم اصطلحوا بعد ذلك على كفِّ الحرب إلى قدوم علىّ ، فلمّا كان في
__________________
١ ـ ورد في حديث روته عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول وعنده نساؤه : ليت شعري ايتكنّ تنبحُها كلابُ الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة!