القوم لم يكن لهم يوم ذاك فكر كلامي ولا فقهي ، وأنّ الغاية من تبنّي الاُسس المذكورة في هذا الفصل (تكفير مرتكبي الكبيرة وحرمة مناكحتهم ولزوم الخروج على الطغاة و ... ) إنّما هو تمهيد لأساليب توصلهم إلى القضاء على الخلفاء وحكّام الجور ، والاستيلاء على منصَّة الحكم. ولذلك لم يورثوا سوى الشغب والثورة والأخذ بزمام الحكم.
نعم الفرقة الباقية منهم ـ كالاباضية ـ لمّا استشعروا أنّه لايصحّ بفريق سياسي أن يعيش بلا مبدأ كلامي أو فقهي ، تداولوا بعض الموضوعات الكلامية والفقهية بالبحث والتمحيص. ويبدو من خلال الرجوع إلى آثار تلك الفرقة أنّ أكثر ما يتبنّونه في مجال العقائد إنّما هو نتاج متأخّر لم يفكّر به مؤسّس الفرقة كعبدالله بن اباض ولاالتابعي الآخر كجابر بن زيد ، وأكثر ماورثوا من الأوّل شجاعته الروحية ، وصراحته في بيان الحقائق ، ومن الثاني أحاديث موقوفة ، نقلها جابر عن عدّة من الصحابة ، وأين هذا من منهج كلامي منسجم ، وفقه واسع يتكفّل بيان تكاليف العباد في الحياة في عامّة المجالات. وهذا يؤيّد أنّ الخوارج ـ ظهرت يوم ظهرت ـ كفرقة سياسية ثم آلت إلى فرقة دينية.
ونحن نمّر في هذا الفصل على عقائدهم واُسسهم التي تعرّفت على سماتها والغايات المتوخّاة منها.