طلحة والزبير ، ورجع بقيّة الثائرين إلى حظيرة الإمامة والاُمّة.
لم تكد تنتهي هذه الحرب الطاحنة ، ويعود إلى البلاد الهدوء والاستقرار ، ويَعْرفَ معاوية أنّ الثورة فشلت ، وأنّه معزول عن ولاية الشام لامحالة ، حتّى أعلن الثورة في الشام وهو حينئذ عامل من عمّال الخليفة ، وأظهر أنّه يطالب بدم عثمان وقد استعدّ أمير المؤمنين لإطفاء هذه الثورة كما أطفأ الثورة التي سبقتها وجهّز جيشه القوي وسار به نحو الشام حيث التقى بالجند الثائر في الموضع المعروف بـ « صفّين » ، وبدأت المعركة ثم استمرّ القتال حتى ظهرت طلائع النصر وأشرف جيش الخليفة على امتلاك زمام المعركة ، ولم يبق للقضاء على هذه الثورة الجامحة إلاّ لحظات عبّر عنها الأشتر « بفواق الناقة » ، إلتجأ الثائرون إلى الحيلة والخدعة ، ولجأوا إلى المكر والمكيدة ورفعوا المصاحف وهم يصيحون يا أهل العراق بيننا وبينكم كتاب الله.
طلب الثائرون هدنة ، ودعوا الخليفة الشرعي وجيشه إلى تحكيم حكمين ، وقد فطن أمير المؤمنين وبعض من جيشه إلى هذه الخدعة ، وعرفوا القصد من هذه الهدنة ، ولكّنه بدلا من أن يقف موقفه الحازم ، ويوالي حربه ضد الثائرين ، حتّى يتحققّ النصر ، وقد تحقّقت بشائره ، ويُلقي البغاةُ أسلحتَهم ، ويعودوا إلى صفّ الاُمّة الذي انشقّوا عنه ، وبغوا عليه ـ بدلا من أن يقف موقفه الحازم ذلك ـ استجاب لدعاة الهزيمة وأخذ بنصيحة طلاّب الخدعة وأكثرهم موعود من معاوية أو من عمروبن العاص ، ورضى بالتحكيم وقبِلَ الهدنة وأمر بايِقاف القتال في الحال.
وهكذا انتهت هذه الثورة إلى هذا الموقف المائع الذي جعل حقّ عليّ في الخلافة ، يتساوى مع حقّ معاوية ، وجعل نصيب البغاة الثائرين من الثواب ، يساوي نصيب جيش الاُمّة الذي يدافع عن خلافة شرعية تمّت بالشورى