قال : اتّضحت معالم المسألة واضحة ، وبدا لكل ذي عينين أنّ التحكيم لم يكن سوى خديعة لم يبغ من طلبها سوى العدول عن الطريق السوي ، وصحّ كل ما توقّعه علي بن أبي طالب حتى حقّ له أن يقول وقد وقع ما وقع : « أما أنّي قد أخبرتكم أنّ هذا يكون بالأمس ، وجهدت أن تبعثوا غير أبي موسى فأبيتم عَلَيّ » (١).
أفيصحّ بعد هذا ، قوله إنّ الأنصار أتوني بأبي موسى فقالوا : ابعث هذا فقد رضيناه ولا نريد سواه؟! مع أنّه لم يرده أبداً وإنّما فرض عليه من فرض.
ب ـ إنّ الكّتاب الجدد لمّا واجهوا أنّ التحكيم سيّئة من سيّئات المحكّمة واّنّهم هم المسؤولون عن عواقبه الوبيلة ، عمدوا إلى الروايات الشاذّة ومخالقات أعداء الإمام. قالوا : إنّ عليّاً ظلّ يكاتب معاوية سرّاً من دون المسلمين ، فكتب إلى معاوية : من عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية ، فكتب إليه معاوية : لو أعلم أنّك أمير المؤمنين لم اُقاتلك ، فامح اسم أمير المؤمنين ، ففعل علي ذلك فبلغ ذلك المسلمين ، فقالوا له : يا علي ما حملك أن تخلع نفسك من اسم سمّاك به المسلمون؟ ألست أمير المؤمنين ومعاوية أمير المخالفين؟ فتب عمّا صنعت ... ، ثمّ إنّهم يذكرون أنّه بعد أن تاب عدل عن توبته وامضى الحكومة أي التحكيم (٢).
إنّ ما ذكره من المكاتبة السرّية ليس له مسحة من الحقّ ولا لمسة من الصدق ولا يوجد في كتب القصاصين فضلاً عن التواريخ والسير ، وما ذكره ليس إلاّ قصة التحكيم الّذي شهد عليه الطرفان على وجه التفصيل ، والإمام امتنع عن
____________
١ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد : ١٠٢ نقلاً عن الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١١٩.
٢ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد : ١١٢ نقلاً عن القلهاتي : الكشف والبيان : ٢ / ٢٣٧.