حتى انّ عليّاً اقترح عليهم الأحنف بن قيس فأبوا أن يقبلوه ، وقالوا : لايكون ألاّ أبا موسى ، وقد كان معروفاً بأنّه قريب القعر ، كليل الشفرة ، فلم ير علي عليهالسلام بداً من قبول أبي موسى ، وقد كان الإمام عارفاً ببساطته وسذاجته ، وكانت في ذلك خسارة عظمى لحزب علي عليهالسلام وأشياعه إلى حدّ وصفها الشاعر بقوله :
لو كان للقوم رأي يُعْصمونَ به |
|
من الظلال رَمَوكم بابن عباس |
لله درُّ أبيه أيُّما رجل |
|
ما مثله لفصال الخطب في الناس |
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن |
|
لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس |
أن يخلُ عمروبه ، يقذفه في لجج |
|
يَهوي به النجمُ تَيْساً بين أتياس |
ابلغ لديك عليّاً غير عاتِبِه |
|
قول امرىء لا يرى بالحقِّ من بأس (١) |
لقد كان عليّ عليهالسلام واقفاً على انحراف أبي موسى عنه ، وانّ هواه مع غيره ، ومع ذلك لم يجد بدّاً عن الرضا بما فرض عليه البسطاء من جيشه ، وهذا هو الأحنف بن قيس من أصدقاء علي عليهالسلام وخُلّصِ شيعته ، فقد امتحن أبا موسى بعد ما نُصِبَ حكماً من قبل علي عليهالسلام فقال له ممتحناً : « فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي ، فخّيره أن يختار أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا فإنّهم يولّونا الخيار فنختار من نريد ، وإن أبوا فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا ، فإن فعلوا كان الأمر فينا ، فقال أبو موسى : قد سمعت ما قلت ، ولم ينكر ما قاله من زوال الأمر عن علي عليهالسلام فرجع الأحنف إلى علي عليهالسلام فقال له : أخرج أبو موسى والله زبدة سقائه في أوّل مخضة. لا أرانا إلاّ بعثنا رجلا لا ينكر خلعك ، فقال علي عليهالسلام : الله
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٧٥ ـ ٥٧٦.