والاعتبار ؛ وهو معيار الأنحاء الثلاثة ؛ وبه يكون الاستنباط والاستدلال ؛ وهو كثير ، منه ما يعرف بفحوى الخطاب (١). ومعنى اعتبرت الشيء طلبت بيانه ، عبّرت الرؤيا : بيّنتها ؛ قال الله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا) (الحشر : ٢) بعد : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) (الحشر : ٢) دلّ على أن انتقامه بالخروج من الدار من أعظم الوجوه ، و (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) (الحشر : ٢) ، دلّ على أن لها توابع ؛ لأن «أول» لا يكون [إلا] (٢) مع «آخر» ؛ وكان هذا في بني النّضير ثم أهل نجران. (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) (الحشر : ٢) إلا بنبإ ، وأنهم يستقلون عدد من كان مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم (٣). (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) (الحشر : ٣) فيه دليل على أن الإخراج [في الشدة] (٤) مثل العذاب ؛ إذ جعل بدله (٥).
وقد يتعدد الاعتبار ؛ نحو أتاني غير زيد ، أي أتياه ، أو أتاه غير زيد ، لا هو (٦). لو شئت أنت لم أفعل ، [أي أنت] (٧) أمرتني أو نهيتني ؛ قال [الله] تعالى : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا) (النحل : ٣٥) ردّ عليهم بأن الله لا يأمر بالفحشاء ؛ بدليل قوله : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) (الأعراف : ٢٨) ، (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (المائدة : ٢) ، فالاعتبار إباحة.
ومن الاعتبار ما يظهر بآي أخر ؛ كقوله [تعالى] : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (فاطر : ٤٥) ، فهذه تعتبر بآخر الواقعة (الآيات : ٨٨ ـ ٩٦) ؛ من أن الناس على ثلاثة منازل ؛ أي أحلّ كلّ فريق في منزلة له (٨) ، والله بصير بمنازلهم.
__________________
(١) في المطبوعة : (الكلام).
(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٣) كذا العبارة في المخطوطة ، والمطبوعة ، وفيها غموض ، قال الإمام الطبري : «ما ظننتم أن يخرج هؤلاء الذين أخرجهم الله من ديارهم من أهل الكتاب من مساكنهم ومنازلهم وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله. وإنما ظنّ القوم فيما ذكر ذلك أن عبد الله بن أبي وجماعة من المنافقين بعثوا إليهم لما حصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرونهم بالثبات في حصونهم ويعدونهم النصر» (جامع البيان : ٢٨ / ٣٠).
(٤) العبارة في المطبوعة : (أن الإخراج مثل العذاب في الشدة).
(٥) أخرج الأثر عن السيدة عائشة رضياللهعنها الحاكم في المستدرك ٢ / ٤٨٣ كتاب التفسير باب تفسير سورة الحشر ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقرّه الذهبي. وأخرجه البيهقي في الدلائل ٣ / ١٧٨ ، باب غزوة بني النضير. وعزاه السيوطي لابن مردويه (الدر المنثور ٦ / ١٨٧).
(٦) العبارة في المخطوطة : (أي اتيانه أو لا غير زيد).
(٧) ساقطة من المطبوعة.
(٨) كذا في المطبوعة ، واللفظ في المخطوطة (في منزله). (البرهان ـ ج ١ ـ م ٨)