منه ما يظهر ، ومنه ما يستخرج بالتأمّل للّبيب. وهي منحصرة في أربعة أشياء : التمكين ، والتوشيح ، والإيغال ، والتصدير.
(١) [والفرق بينها ؛ أنه إن كان تقدم لفظها بعينه في أول الآية سمّي تصديرا. وإن كان في أثناء الصّدر سمّي توشيحا. وإن أفادت معنى زائدا بعد تمام معنى الكلام سمّي إيغالا ؛ وربما اختلط التوشيح بالتصدير] (١) لكون كلّ منهما صدره يدلّ على عجزه (٢) ، والفرق بينهما أن دلالة التصدير لفظية ، ودلالة التوشيح معنوية.
الأول : التمكين
وهو أن تمهّد قبلها تمهيدا تأتي به الفاصلة ممكّنة في مكانها ، مستقرة في قرارها ، مطمئنة في موضعها ، غير نافذة ولا قلقة ، متعلّقا معناها بمعنى الكلام كلّه تعلّقا تاما ؛ بحيث لو طرحت اختلّ المعنى واضطرب الفهم. وهذا الباب يطلعك على سرّ عظيم من أسرار القرآن. فاشدد يديك به.
ومن أمثلته قوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (الأحزاب : ٢٥) ، فإن الكلام لو اقتصر فيه على قوله : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) لأوهم (٣) ذلك بعض الضعفاء موافقة الكفار في اعتقادهم أن الريح (٤) التي حدثت كانت (٤) سبب رجوعهم ، ولم يبلغوا ما أرادوا ، وأنّ ذلك أمر اتفاقي ، فأخبر سبحانه في فاصلة الآية عن نفسه بالقوة والعزّة ليعلّم المؤمنين ، ويزيدهم يقينا وإيمانا على أنه الغالب الممتنع ، وأن حزبه كذلك ، وأن تلك الريح [التي هبّت] (٥) ليست اتفاقا ، بل هي من إرساله سبحانه على أعدائه كعادته ، وأنه ينوّع النصر للمؤمنين ليزيدهم إيمانا وينصرهم مرة بالقتال كيوم بدر ، وتارة بالريح كيوم الأحزاب ، وتارة بالرّعب كيوم (٦) النضير ، وطورا ينصر عليهم كيوم أحد ، تعريفا لهم أنّ الكثرة لا تغني شيئا ، وأنّ النصر من عنده ، كيوم حنين.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.
(٢) العبارة في المخطوطة : (عجز والقرآن).
(٣) في المخطوطة : (وهم).
(٤) في المخطوطة : (الذي حدث كان).
(٥) من المطبوعة.
(٦) في المطبوعة : (كبني).