غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة : ١٨٢). وجه المناسبة في الختم (١) محمول على قول مجاهد (٢) : «إن من حضر الموصي فرأى منه جنفا على الورثة في وصيته مع فقرهم ، فوعظه في ذلك وأصلح بينه وبينهم حتى رضوا ، فلا إثم عليه (٣) ، وهو غفور للموصي إذا ارتدع بقول من وعظه ، فرجع عما هم به وغفرانه لهذا برحمته لا خفاء (٤) به ، والإثم المرفوع عن القائل ؛ يحتمل أن يكون إثم التبديل السابق في الآية قبلها في قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) (البقرة : ١٨١) يعني من الموصي ، أي لا يكون هذا المبدّل داخلا تحت وعيد من بدّل على العموم ؛ لأنّ تبديل هذا تضمّن مصلحة راجحة فلا يكون كغيره. وقد أشكل على ذلك مواضع ، منها قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة : ١١٨) فإن قوله : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) يوهم أن الفاصلة «الغفور الرّحيم» ، وكذا نقلت عن مصحف أبيّ (٥) رضياللهعنه ، وبها قرأ ابن شنبوذ (٦). ولكن إذا أنعم النظر علم أنه يجب أن يكون ما عليه التلاوة ؛ لأنّه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد [أن] (٧) يرد عليه حكمه ، فهو العزيز ؛ لأن العزيز في صفات الله هو الغالب ؛ من قولهم : عزّه يعزّه عزّا إذا غلبه ؛ ووجب أن يوصف بالحكيم أيضا ؛ لأن الحكيم من يضع الشيء في محلّه ، فالله تعالى كذلك. إلا أنه قد يخفي وجه الحكمة في بعض أفعاله ، فيتوهم الضعفاء أنه خارج عن الحكمة ، فكان في الوصف بالحكيم احتراس حسن ؛ أي وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك ، والحكمة فيما فعلته. وقيل : وقيل لا يجوز «الغفور الرحيم» لأن الله تعالى قطع لهم بالعذاب في قوله [تعالى] : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (النساء : ٤٨). وقيل : لأنه مقام تبرّ ،
__________________
(١) في المطبوعة : (الحكم).
(٢) هو مجاهد بن جبر ، أبو الحجاج المكي ، تقدمت ترجمته ص : ٩٨.
(٣) في المخطوطة : (فلا يأثم).
(٤) العبارة في المخطوطة : (لاحقا به).
(٥) كذا في الأصل أنّها في مصحف أبي. وقال النيسابوري في غرائب القرآن ٧ / ٨٥ : «وفي مصحف عبد الله ـ ابن مسعود ـ فإنك أنت الغفور الرحيم ، وضعفه العلماء ، لأن ذلك يشعر بكونه شفيعا لهم لا على تفويض الأمر بالكلية إلى حكمة تعالى». ولم يذكر ابن أبي داود في كتابه «المصاحف» هذه القراءة.
(٦) هو محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ البغدادي ، شيخ الإقراء بالعراق مع ابن مجاهد. قرأ القرآن على عدد كثير بالأمصار منهم قنبل وإسحاق الخزاعي ، وغيرهما. كان ثقة في نفسه صالحا دينا متبحرا في هذا الشأن. توفي ابن شنبوذ سنة (٣٢٨). (الذهبي ، معرفة القرّاء الكبار ١ / ٢٧٦).
(٧) ساقطة من المطبوعة.