فالتوحيد تدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله.
والتذكير ، ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار ، وتصفية الظاهر والباطن.
والأحكام ؛ ومنها التكاليف كلّها وتبيين المنافع والمضارّ ، والأمر والنهي والندب.
فالأول : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (البقرة : ١٦٣) ، فيه التوحيد كلّه في الذات والصفات والأفعال.
والثاني : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات : ٥٥).
والثالث : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ) (المائدة : ٤٩) ؛ ولذلك قيل في معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن». يعني في الأجر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وقيل ثلثه في المعنى ؛ لأن القرآن ثلاثة أقسام كما ذكرنا. وهذه السورة اشتملت على التوحيد.
ولهذا المعنى صارت فاتحة الكتاب أمّ الكتاب ؛ لأن فيها الأقسام الثلاثة :
فأما التوحيد فمن أولها إلى قوله : (يَوْمِ الدِّينِ). وأما الأحكام ف (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وأما التذكير فمن قوله : (اهْدِنَا) إلى آخرها ؛ فصارت بهذا أمّا ؛ لأنه يتفرع عنها كل نبت.
وقيل : صارت أمّا لأنها مقدمة على القرآن بالقبلية ، والأم قبل البنت.
وقيل : سمّيت فاتحة لأنها تفتح أبواب الجنة على وجوه مذكورة في مواضعها.
ونقل عن أبي الحكم بن برّجان (١) أنه قال في كتابه «الإرشاد» : (وجملة القرآن تشتمل على ثلاثة علوم : علم أسماء الله تعالى وصفاته ، ثم علم النبوّة وبراهينها ، ثم علم التكليف والمحنة).
قال : (وقال غيره : القرآن يشتمل على أربعة أنواع من العلوم : أمر ، ونهي ، وخبر واستخبار. وقيل : ستّة بزيادة الوعد والوعيد).
__________________
(١) هو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن اللخمي الإشبيلي الأندلسي ، من أئمة التفسير واللغة ت ٦٢٧ ه (شذرات الذهب ٥ / ١٢٤) وكتابه «الإرشاد في تفسير القرآن» تفسير كبير في مجلدات ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٦٩.