جمع أنواع العلوم كلها بمعان ؛ كما قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)» (الأنعام : ٣٨). وقال بعض المتأخرين : لا يكون القرآن و «قرأ» مادته بمعنى جمع ، لقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧) فغاير بينهما ؛ (١) وإنما مادته «قرأ» بمعنى أظهر وبيّن ؛ والقارئ (١) يظهر القرآن ويخرجه ، والقرء : الدم ، لظهوره وخروجه. والقرء : الوقت ؛ فإنّ التوقيت لا يكون إلا بما يظهر. وقيل : سمي قرآنا لأن القراءة عنه والتلاوة منه ؛ وقد قرئت بعضها عن بعض.
وفي «تاريخ بغداد» للخطيب في ترجمة الشافعي قال (٢) : «وقرأت القرآن على إسماعيل ابن قسطنطين (٣) وكان يقول : القرآن اسم وليس مهموزا ، ولم يؤخذ من «قرأت» ؛ ولو أخذ من «قرأت» لكان كلّ ما قرئ (٤) ولكنه اسم للقرآن ؛ مثل التوراة والإنجيل ، يهمز قرأت ، ولا يهمز القران...». وقال الواحدي (٥) : «كان ابن كثير يقرأ بغير همز ، وهي قراءة الشافعيّ أيضا». قال البيهقيّ (٦) : «كان الشافعيّ يهمز «قرأت» ولا يهمز القران ؛ ويقول : هو اسم لكتاب الله غير مهموز» قال الواحديّ : «قول الشافعي هو اسم لكتاب الله ، يعني أنه اسم علم غير مشتق ، كما قاله جماعة من الأئمة ـ وقال ـ وذهب آخرون إلى أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه فسمي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه ، ومنه قيل للجمع بين الحج والعمرة قران ، قال : وإلى هذا المعنى ذهب الأشعريّ».
وقال القرطبيّ : «القران بغير همز مأخوذ من القرائن ؛ لأنّ الآيات منه يصدّق بعضها بعضا ؛ ويشابه بعضها بعضا ، فهي حينئذ قرائن». قال الزجاج : «وهذا القول سهو ، والصحيح أن ترك الهمز فيه ، من باب التخفيف ؛ ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ؛ وهذا ما أشار إليه
__________________
(١) العبارة في المخطوطة (وأما مادة «قري» بمعنى أظهر وبيّن والقاري..).
(٢) أي الشافعي ، انظر تاريخ بغداد ٢ / ٦٢.
(٣) إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين أبو إسحاق المخزومي المعروف بالقسط ، قارئ أهل مكة في زمانه أقرأ الناس دهرا ، قرأ عليه الإمام الشافعي ت ١٩٠ ه (الذهبي ، معرفة القرّاء ١ / ١٤١).
(٤) في المطبوعة زيادة (قرئ) وهي في تاريخ بغداد.
(٥) هو علي بن أحمد ، أبو الحسن الواحدي صاحب التفاسير الثلاثة «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز». تقدم ذكره ص ١٠٥.
(٦) مناقب الشافعي ١ / ٢٧٧ ، باب ما يستدل به على حفظ الشافعي لكتاب الله عزوجل.