والفصحاء والشعراء بآياته ؛ فلو اشتمل على غير لغة العرب لم تكن له فائدة ؛ هذا مذهب الشافعيّ [رضياللهعنه] (١) وهو قول جمهور العلماء ؛ منهم أبو عبيدة (٢) ومحمد بن جرير الطبري ، والقاضي أبو بكر بن الطيب في كتاب «التقريب» (٣) ، وأبو الحسين بن فارس اللغويّ وغيرهم.
وقال الشافعيّ في «الرسالة» (٤) في باب البيان الخامس ما نصّه : [٤٢ / ب] «وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلّم فيه لكان الإمساك أولى به ، فقال قائل منهم : إن في القرآن عربيّا وأعجميّا ، والقرآن يدلّ على أنه ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب ، ووجدنا قائل هذا القول من قبل ذلك منه تقليدا له ، وتركا للمسألة (٥) عن حجته ومسألة غيره ممّن خالفه ؛ وبالتقليد أغفل من أغفل منهم ، والله يغفر لنا ولهم». هذا كلامه.
وقال أبو عبيدة فيما حكاه ابن فارس (٦) : «إنّما أنزل القرآن بلسان عربيّ مبين ، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ، ومن زعم أن كذا (٧) النّبطيّة فقد أكبر القول» قال (٨) : «ومعناه أتى بأمر عظيم ؛ وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شيء لتوهم متوهّم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله ؛ لأنه أتى بلغات لا يعرفونها ، وفي ذلك ما فيه. وإن كان كذلك فلا وجه لقول من يجيز القراءة في الصلاة (٩) بالفارسية ؛ لأنها ترجمة غير معجزة ، وإذا جاز ذلك لجازت الصلاة بكتب التفسير ، وهذا لا يقول به أحد» انتهى.
وممن نقل عنه جواز القراءة بالفارسية أبو حنيفة ؛ لكن صح رجوعه عن ذلك ومذهب ابن عباس وعكرمة وغيرهما أنه وقع في القرآن ما ليس من لغتهم.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٢) معمر بن المثنى. أبو عبيدة التيمي النحوي. روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وأبي الوليد بن داب وغيرهم. وروى عنه أبو عثمان بكر بن محمد المازني وأبو حاتم سهل بن محمد السجستاني وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم. كان من أعلم الناس بأنساب العرب وأيامهم وله كتب كثيرة. ذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة (٢٠٨ ه) (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٦).
(٣) وهو أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب تقدم التعريف به ص ١١٧ وكتابه «التقريب والإرشاد» في أصول الفقه ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك ٢ / ٦٠١.
(٤) الرسالة ص ٤١ ـ ٤٢ (بتحقيق أحمد شاكر).
(٥) العبارة في الرسالة (للمسألة له).
(٦) انظر كتابه «الصاحبي» ص : ٢٩ ـ ٣٠ والمعرّب للجواليقي ص : ٤. والإتقان للسيوطي ٢ / ١٠٥.
(٧) في مجاز القرآن ١ / ١٧ : (طه).
(٨) القول لابن فارس في الصاحبي : ٣٠.
(٩) في المخطوطة : (صلاته).