وينبغي العناية بتدبّر الألفاظ كي لا يقع الخطأ ، كما وقع لجماعة من الكبار ، فروى الخطّابي (١) عن أبي العالية «أنه سئل عن معنى قوله : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (الماعون : ٥) ، فقال : هو الذي ينصرف عن صلاته ولا يدري عن شفع أو وتر ، قال الحسن (٢) : مه يا أبا العالية! ليس هكذا ، بل الذين سهوا عن ميقاتهم حتى تفوتهم ، ألا ترى قوله : (عَنْ صَلاتِهِمْ)» (٣)! فلمّا لم يتدبر أبو العالية حرف «في» و (عن) تنبّه له الحسن ، إذ لو كان المراد ما فهم أبو العالية لقال : «في صلاتهم» ، فلما قال : (عَنْ صَلاتِهِمْ) دلّ على أن المراد به الذهاب عن الوقت ، ولذلك (٤) قال ابن قتيبة (٥) في قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) (الزخرف : ٣٦) أنه من عشوت أعشو عشوا : إذا نظرت (٦) ، وغلّطوه في ذلك ، وإنما معناه يعرض (٧) ، وإنما غلط لأنه لم يفرق بين عشوت إلى الشيء وعشوت عنه.
وقال أبو عبيدة (٨) في قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) (القصص : ١٠) قال : «فارغا من الحزن ، لعلمها أنه لم يغرق ؛ ومنه : «دم فراغ» ، أي لا قود فيه ولا دية» ، وقال بعض الأدباء (٩) : «أخطأ أبو عبيدة في المعنى ؛ لو كان قلبها فارغا من الحزن عليه لما قال [تعالى] : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) (القصص : ١٠) لأنها كادت تبدي [به] (١٠)».
وهذا الباب عظيم الخطر ؛ ومن هنا تهيّب (١١) كثير من السلف تفسير القرآن ، وتركوا القول فيه حذرا أن يزلّوا فيذهبوا عن المراد ؛ وإن كانوا علماء باللسان فقهاء في الدين. وكان الأصمعيّ وهو إمام اللغة ـ لا يفسر شيئا من غريب القرآن ، وحكي عنه أنه سئل عن قوله
__________________
(١) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم ، تقدم في ١ / ٣٤٣.
(٢) في المخطوطة : (أبو الحسن).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في التفسير عند تفسير سورة الماعون الحديث رقم (٣٤٤٣) ، وأخرجه ابن المنذر (ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٦ / ٤٠٠).
(٤) في المخطوطة : (كذلك).
(٥) انظر قوله في تفسير غريب القرآن ص : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ وعزا هذا القول لأبي عبيدة ، وانظر قول أبي عبيدة في المجاز ٢ / ٢٠٤.
(٦) العبارة في المخطوطة [نظرت إليها].
(٧) وهو قول الفرّاء في معاني القرآن ٣ / ٣٢.
(٨) في مجاز القرآن ٢ / ٩٨.
(٩) هو ابن قتيبة ، وانظر قوله في تفسير الغريب : ٣٢٨ ـ ٣٢٩.
(١٠) ساقطة من المخطوطة.
(١١) في المخطوطة : (يهيب).