ومنه قوله : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) (الحجر : ٨٧) فإنه إن كان المراد به القرآن ف (مِنَ) للتبعيض ، و (الْقُرْآنَ) حينئذ من عطف العام على الخاص ؛ وإن كانت الفاتحة ف (مِنَ) لبيان الجنس ، أي سبعا هي المثاني.
تنبيه
قد يقع في كلامهم : «هذا تفسير معنى» ، و «هذا تفسير إعراب» ، والفرق بينهما أنّ تفسير الإعراب لا بد فيه من ملاحظة الصناعة النحوية ، وتفسير المعنى لا يضر مخالفة ذلك ، و[قد] (١) قال سيبويه (٢) في قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (البقرة : ١٧١) «تقديره مثلك يا محمد (٣) ، ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به».
واختلف الشارحون في فهم كلام سيبويه ، فقيل : هو تفسير معنى ، وقيل : تفسير إعراب ؛ فيكون في الكلام حذفان : حذف من الأوّل وهو حذف داعيهم ، وقد أثبت نظيره في الثاني ، وحذف من الثاني وهو حذف المنعوق ، وقد أثبت نظيره في الأول ؛ فعلى هذا يجوز مثل ذلك في الكلام.
والثاني : تجنّب الأعاريب المحمولة على اللغات الشاذة ، فإنّ القرآن نزل بالأفصح من لغة قريش ، قال الزمخشريّ في «كشّافه» القديم (٤) : القرآن لا يعمل فيه إلاّ على ما هو فاش دائر على ألسنة فصحاء العرب ، دون الشاذّ النادر الذي لا يعثر عليه إلا في موضع أو موضعين. وبهذا (٥) يتبيّن غلط جماعة من الفقهاء والمعربين حين جعلوا من العطف على الجوار قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ) (المائدة : ٦) في قراءة الجر ؛ وإنما ذلك ضرورة فلا يحمل عليه الفصيح ؛ ولأنه إنما يصار إليه إذا أمن اللّبس والآية محتملة ، ولأنه إنما يجيء مع عدم حرف العطف ، وهو هاهنا موجود ، وأيضا فنحن في غنية عن ذلك ، كما قاله سيبويه : إنّ العرب يقرب
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) انظر الكتاب لسيبويه ١ / ٢١٢ (بتحقيق عبد السلام هارون) ، باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى.
(٣) العبارة في الكتاب : (وإنما المعنى : مثلكم ومثل الذين كفروا..).
(٤) ليس هذا القول في كشافه الجديد ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٥) في المخطوطة : (فقد).