السعادات ابن الأثير الجزري (ت ٦٠٦ ه) في «النهاية في غريب الحديث» ١ / ٥ : (إن كل مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ، ومبتدع لأمر لم يتقدّم فيه عليه ، فإنه يكون قليلا ثم يكثر ، وصغيرا ثم يكبر).
ولقد كان أمام الزركشي تراثا واسعا ومتنوعا في علوم القرآن ، يتمثل بمؤلفات السابقين التي يختص كلّ منها بنوع من أنواع علوم القرآن ، وكان عليه أن يجمع كل ما يتعلق بالفن الواحد ، ليصوغه بقالب جديد من صياغته وأسلوبه ، وينظم الفنون كلها في سلسلة واحدة متّسقة ، منسجمة الوحدة والموضوع ، وغدا كتابه بذلك كالعقد المنظوم أحسن نظم ، الذي حوى جواهر الدرر وفرائدها.
وقد اتبع الزركشي في «البرهان» منهجا علميا رصينا ، يقوم على تعريف القارئ بكل فن من فنون القرآن على حدة ، وإعطائه فكرة واضحة عن هذا الفن ، فهو يبدأ بتعريفه ، ويذكر أشهر من دوّن فيه من العلماء مع ذكر كتبهم ، ثم يستعرض لمحة عن تاريخ هذا الفن فيذكر نشأته وتطوّره ، ثم يبدأ بذكر أقسامه ومواضيعه ومسائله. حتى إذا استكمل غايته من عرض هذا الفن انتقل لفن آخر وهكذا.
والزركشي ـ في عرضه لمادة البحث ـ يستعين بأقوال أئمة الفن الذي يتكلم عنه ، وهو يسمّيهم في كثير من الأحيان وقد يسمّي كتبهم التي نقل منها ، ولكنه يتصرّف في النقل ، ويصيغ العبارات المنقولة بأسلوبه ، فهو مثلا يختار من الصفحة التي ينقل منها سطرا أو فقرة ، ومن التي تليها سطرا آخر ، وينظمهما بعبارة جديدة بأسلوبه ، ونراه في مواضع أخرى يعبّر بأسلوبه واختصاره عن مراد إمام له كلام طويل في مسألة.
وقد حفل الكتاب بأسماء كثير من الأئمة الأعلام في علوم القرآن واللغة والحديث والفقه... وأسماء كثير من المؤلفات المتنوعة في علوم القرآن وغيرها وبالشواهد القرآنية الغزيرة والشواهد الحديثية والامثال العربية ، والأشعار والأرجاز ، وصار موسوعة قرآنية ضمّت بين دفّتيها كل ما يتعلق بعلوم القرآن الكريم.
وقد قدّم الزركشي لكتابه بمقدمة هامّة بيّن فيها فضائل القرآن ، وساق فيها أقوال الأئمة في ذلك. واستعرض بإيجاز نشأة علوم القرآن وتطوّره. وذكر أعلام علمائه ،