من دعواه ان النسيان من الله (تعالى). وقد بينا ثمة ضعفه ، وان النسيان انما هو من الشيطان كما تكررت به آيات القرآن. وبالجملة فإن الناسي من حيث حصول العلم له أولا فعروض النسيان له انما هو لإهماله التذكر وعدم الاعتناء بإجرائه على البال. ومن أجل ذلك يضعف القول بمعذوريته ، وان كان ظاهر كلامه هنا وكذا كلام غيره زيادة معذوريته على الجاهل. وهو غلط محض ، فإن الأخبار قد استفاضت بمعذورية الجاهل ولا سيما في باب الحج عموما وخصوصا. والوجه فيه ظاهر ، كما تقدم تحقيقه في غير مقام ولا سيما في مقدمات الكتاب ، وهم في أكثر المواضع انما استندوا في معذورية الناسي الى اخبار معذورية الجاهل ، فلو عكسوا لأصابوا.
وظاهر الاخبار المذكورة الاكتفاء في الوقوف الاضطراري بمسمى الكون بعرفة ، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا ، قال في المنتهى : لو لم يقف بعرفة نهارا ووقف بها ليلا أجزأه على ما بيناه ، وجاز له ان يدفع من عرفات اي وقت شاء بلا خلاف.
ونقل عن الشيخ في الخلاف انه أطلق ان وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم النحر. وحمله جملة من الأصحاب على ان مراده بيان مجموع وقتي الاختيار والاضطرار ، لا أن ذلك وقت اختياري لتصريحه في سائر كتبه بالتفصيل المذكور.
وحمله ابن إدريس على ان مراده الوقت الاختياري ، فاعترضه بان هذا القول مخالف لأقوال علمائنا وانما هو قول لبعض المخالفين (١) أورده الشيخ
__________________
(١) المغني ج ٣ ص ٤٣٣ و ٤٣٤ طبع مطبعة المنار.