قال : «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام» ، في مثل ذلك أنزلت هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) إلى آخر الآية. قال أبو عيسى : هذا حديث غريب إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة وعلي بن يزيد يضعف في الحديث سمعت محمدا ـ يعني البخاري ـ يقول علي بن يزيد يضعف ا ه. وقال ابن العربي في «العارضة» : في سبب نزولها قولان : أحدهما أنها نزلت في النضر بن الحارث. الثاني أنها نزلت في رجل من قريش قيل هو ابن خطل اشترى جارية مغنية فشغل الناس بها عن استماع النبي صلىاللهعليهوسلم ا ه. وألفاظ الآية أنسب انطباقا على قصة النضر بن الحارث.
ومعنى (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أنه يفعل ذلك ليلهي قريشا عن سماع القرآن فإن القرآن سبيل موصل إلى الله تعالى ، أي إلى الدين الذي أراده ، فلم يكن قصده مجرد اللهو بل تجاوزه إلى الصد عن سبيل الله ، وهذا زيادة في تفظيع عمله. وقرأ الجمهور (لِيُضِلَ) بضم الياء. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء ، أي ليزداد ضلالا على ضلاله إذ لم يكتف لنفسه بالكفر حتى أخذ يبث ضلاله للناس ، وبذلك يكون مآل القراءتين متحد المعنى.
ويتعلق (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بفعل (يَشْتَرِي) ويتعلق به أيضا قوله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) لأن أصل تعلق المجرورات أن يرجع إلى المتعلّق المبني عليه الكلام ، فالمعنى : يشتري لهو الحديث بغير علم ، أي عن غير بصيرة في صالح نفسه حيث يستبدل الباطل بالحق. والضمير المنصوب في (يَتَّخِذَها) عائد إلى (سَبِيلِ اللهِ) ، فإن السبيل تؤنث. وقرأ الجمهور (وَيَتَّخِذَها) بالرفع عطفا على (يَشْتَرِي) ، أي يشغل الناس بلهو الحديث ليصرفهم عن القرآن ويتخذ سبيل الله هزؤا. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بالنصب عطفا على (لِيُضِلَ) ، أي يلهيهم بلهو الحديث ليضلهم وليتخذ دين الإسلام هزءا. ومآل المعنى متّحد في القراءتين لأن كلا الأمرين من فعله ومن غرضه. وأما الإضلال فقد رجح فيه جانب التعليل لأنه العلة الباعثة له على ما يفعل.
والهزؤ : مصدر هزأ به إذا سخر به كقوله (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) [البقرة : ٢٣١] ولما كان (مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) صادقا على النضر بن الحارث والذين يستمعون إلى قصصه من المشركين جيء في وعيدهم بصيغة الجمع (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).
واختبر اسم الإشارة للتنبيه على أن ما يرد بعد اسم الإشارة من الخبر إنما استحقه