ظلامته للناس ، وقارع خصومه بالحجة والبرهان ، ولم يكن ذلك منه خوفا ، ولا جزعاً ، ولا نكوصاً ، ولا جبناً ، ولم يكن مخاتلاً يضمر غير ما يظهر ، بل أظهر سخطه ومعارضته بكل جرأة ، وطالب بحقه بوسائل تبعد الأمة عن الفتنة التي لا يعلم نتائجها إلّا الله ، ولم يصبه وهن ولا ذل ، ولم يراقب في ذلك سوى الله تعالى ، ولم يرتهب من السلطة.
ولابد من الإشارة إلى أنَّ الإمام علياً عليهالسلام لم يطالب بالخلافة لينال بها الدنيا وما فيها من منصب ومكاسب مادية ومعنوية ، وما يأمل نيله الذين يطلبون الحكم والسلطان ، بل كان يطلب حقه الشرعي الذي استحقه بمؤهلاته ، وثبت له بالنص ، والذي كان يأمله من نيل الخلافة هو بسط العدل ، ونشر الفضيلة ، والحكم بما أنزل الله عزوجل ، حاله في ذلك حال المصلحين من الأنبياء والأوصياء ، وعندما عاد الحق إلى نصابه ، أعطى المثل الأعلى للحاكم العادل ، وكان القدوة الحسنة ، فكان طلبه لها جهاداً في سبيل الله تعالى ، وما أصابه من ظلم ، وما تحمله من أذى من أجل ذلك لم يكن لنيل مصلحة شخصية ، بل تحمل ما تحمل لمصلحة الدين الحنيف ، ومصلحة الأمة ، وكان عمله من أجل ذلك ، وكان تركه من أجله ، قال عليهالسلام عند بيعة عثمان : «ولقد علمتم أنّي أحق الناس بها من غيري ، ووالله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلّا عليَّ خاصة إلتماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة ١ / ١٢٤.