حقيقة واضحة ، وثابتة بالأدلة ، وليس فيه افتراء بالكذب على الله تعالى ولا على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلي عليهالسلام أتقى وأورع من أن يدعي ما ليس له ، وحاشاه أن يفتري ، وقد سكت عليهالسلام عن هذا الحق ، وأعرض عنه ، عندما رأى أنَّ مصلحة الأمة تقتضي ذلك ، وصبر على ما نزل به من حيف ، يقول عليهالسلام : «لقد علمتم أنّي أحق الناس بها ـ أي الخلافة ـ من غيري ، ووالله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلّا علي خاصة ، التماساً لأجر ذلك ، وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه ، وزبرجه» (١).
وكان الإمام علي عليهالسلام في سيرته العطرة بعيداً عن الشره إلى حطام الدنيا ، فقد كان يستلم ما يرد إليه من عطاء ، ويضم إليه ريع ما يستصلحه من أراضٍ زراعية ، لينفقه على فقراء المسلمين ، أما هو فيكتفي باليسير ، ولم يختلف حاله في ذلك في أدوار حياته المختلفة ، وأصحابه أكثر مما يأخذه أي فرد من المسلمين ، ولم يتألف أحداً بمال ، بل أجاب من اقترح عليه تفضيل بعض الوجوه والرؤساء ليتألفهم ، بقوله : «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت؟! والله لا أطور به ما سمر سمير (٢) ، وما أمَّ نجم نجماً ، لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف؟ وإنِّما المال مال الله! ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ، ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ، ويهينه عند الله (٣)». ومن كانت هذه نظرته ، ومن
__________________
(١) نهج البلاغة ١ / ١٢٤.
(٢) أي لا أقاربه مدى الدهر.
(٣) نهج البلاغة ٢ / ٧.