لقد مكث الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمته بعد الرسالة نيفاً وعشرين عاماً ، والإمام علي عليهالسلام يلازمه طيلة هذه المدة ، لا يفارقه ، يحفظ عنه ، ويهتدي بهداه ، وهو يحدث بفضائل علي عليهالسلام ، ويبلغ بها كلّما استدعت ذلك مناسبة ، أو سنحت فرصة ، حتى لم يبق مسلم شهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو سمع حديثه ، إلّا وعرف فضل علي عليهالسلام ، ومكانته منه ، وقد تلقى ذلك التابعون عن الصحابة ، وتناقلته عنهم الطبقات التي جاءت من بعدهم ، كل يؤدي الأمان لمن يأتي بعده.
حارب الأمويون الإمام علياً عليهالسلام بكل الوسائل ، وأعلنوا لعنه على المنابر ، وحرّموا على الناس ذكر فضائله ، أو الرواية عنه ، وحاربوا أولياءه ومحبيه ، فاستأصلوا بعضهم ، وهدموا دور آخرين ، وقطعوا عطاءهم ، وزجوا بهم في السجون ، فلم يزدهم ذلك إلّا كراهية ومقتا ، ولم يخرجوا منه إلّا بالخزي ، واحتمال المآثم عمّا أتوه من بهتان عظيم.
أمّا الإمام علي عليهالسلام فلم ينقص من فضله شيء ، ولم تخف مآثره وفضائله على الناس ، بل ازدادت فضائله انتشاراً ، وتألق نوره ليملأ قلوب المؤمنين ، فقد روى ابن عبد ربه عن الرياشي ، قال : (إنتقص ابن لحمزة بن عبد الله بن الزبير علياً ، فقال له أبوه : يا بني إنَّه والله ما بنت الدنيا شيئا إلّا هدمه الدين ، وما بنى الدين شيئا ، فهدمته الدنيا.
أما ترى علياً وما يظهر بعض الناس من بغضه ولعنه على المنابر ، فكأنَّما ـ والله ـ يأخذون بناصيته رفعاً إلى السماء. وما ترى بني مروان وما يندبون به موتاهم من المدح بين الناس ، فكأنما يكشفون عن الجيف) (١).
ولما كان جحد الإمام علي عليهالسلام جحد لله ولرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا شك أنَّ مرتكب
__________________
(١) العقد الفريد ٥ / ٩٠.