فيعفو عمن يشاء ، ويعذب من يشاء.
وجزاء الأعمال ـ خيراً كان أم شراً ـ قد يراه الإنسان في الدنيا فقط ، وقد يؤجل للآخرة ، وقد يجمع الله عزوجل الجزاء للإنسان في الدنيا والآخرة ، وذلك يعود لاختياره عزوجل ، فلا راد لأمره ، وما اقتضته حكمته.
وقد جمع عزوجل للإمام علي عليهالسلام الجزاء في النشأتين ؛ لإخلاصه له ولبذله غاية الجهد في العمل طاعة لله تعالى ، أما جزاؤه في الدنيا فلم يكن جزاءً مادياً ، فمصير المادة إلى الفناء والزوال ، بل كان جزاءً معنوياً خالداً ما بقي الدهر ، لا يزول إلى قيام الساعة ، ليتصل بالجزاء في الآخرة ، إذ بلغ درجة عظيمة لم يبلغها غيره ، ولا يأمل بلوغها أحد بعده.
فالإمام علي عليهالسلام نفس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأخوه ، ووصيه ، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة الرأس من البدن ، والذراع من العضد ، وهو وارث علمه ، ومن قال فيه : إنَّه منّي وأنا منه ، وأنَّه خير البرية ، وسيد المسلمين ... إلى غير ذلك من مآثره ومزاياه التي اختصه الله تعالى بها جزاءً لطاعته ، وإخلاصه لله عزوجل.
ولم ينل الإمام علي عليهالسلام منزلته الرفيعة في الإسلام ، ومكانته من الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم بنسبه العريق ، أو بأموال اكتنزها ، أو سلطة زمنية تسنَّمها ، بل نالها بطاعته وإخلاصه لله عزوجل ، لأنَّ النسب يكون فضيلة إذا اقترن بالطاعة ، والإمام علي عليهالسلام كان يهب الأموال للمعوزين ، ولا يرى لها وزناً ، أما المنصب فهو كما قيل عنه : (لقد زان الخلافة ، وما زانته) ، وما ذلك إلّا لأنَّه استغل وجوده فيها لإقامة العدل ، وتنفيذ أحكام الله عزوجل ، لذا نراه لم يتخذها مغنماً ، ولا اكترث بما يصاحبها من نفوذ وبهارج.
بقيت شخصية الإمام علي عليهالسلام خالدة مع الأيام ، وتحت أقسى الظروف ،