حرب الجمل ، وكانت الحرب في صفين ، وما تبعهما من مآس.
ولكن الإمام علياً عليهالسلام مادام على النهج القويم ، ذلك النهج الذي اختطه ، وطبقه الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنَّه لم يكترث لأيَّة معارضة ، ولم يستوحش حتى لو بقي على طريق الحق وحده ، أو مع قلة ممن امتحن الله قلوبهم بالتقوى ، لأنَّ طريق الحق يناقض النزعات الفردية ، والمطامع الشخصية ، ولذلك يقلّ سالكوه ، ويكثر مناوئوه ، ثبت على السير في هذا الطريق ، وإن دفع الثمن غالياً ... بدأ المسيرة بالتطبيق على نفسه وذويه ، فكان يأخذ من العطاء ما يعطيه لأي فرد من المسلمين الذين لهم فيه حق ، ويعطي ولديه الحسن عليهالسلام ، والحسين عليهالسلام بقدر ما يعطي مولاه قنبر ، وقدر ما يأخذ هو ، أو أي مسلم آخر ، إذ لا فرق بين عربي وعجمي ، ولا بين سيد ومولى ، ويؤكد هذه السيرة قولاً وعملاً في مختلف المواقف.
روى البلاذري بإسناده إلى الحرث ، قال : كنت عند علي ، فأتته امرأتان ، فقالتا : يا أمير المؤمنين [إننا] فقيرتان مسكينتان. قال : قد وجب حقكما علينا ، وعلى كل ذي سعة من المسلمين ـ إن كنتما صادقتين ـ ثمَّ أمر رجلاً ، فقال : انطلق بهما إلى سوقنا ، فاشتر لكل واحدة منهما كرّاً من طعام (١) ، وثلاثة أثواب ـ فذكر رداءً ، وخماراً وإزاراً ـ ، واعط كل واحدة منهما من عطائي مائة درهم ، فلما ولَّتا ، سفرت (٢) إحداهما ، فقالت : يا أمير المؤمنين فضِّلني بما فضلك الله به ، وشرَّفك.
قال : وبماذا فضلني الله وشرّفني؟!.
قالت : برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : صدقت ، وما أنت؟!.
__________________
(١) الكرّ : مكيال لأهل العراق (لسان العرب).
(٢) سفرت : ألقت نقابها (لسان العرب).