المسلمين في العطاء ، لم يفضل أحداً على غيره لأي اعتبار زائف ، وقال لمن عاتبه في ذلك ، وطلب منه أن يفضل البعض لاستمالتهم إليه : «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ، والله ما أطور به ما سمر سمير ، وما أمَّ نجم نجماً. لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف وإنّما المال مال الله؟!. ألا وإنَّ إعطاء المال في غير حقه تبذير ، وإسراف ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ، ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ، ويهينه عند الله» (١).
ولم يكتف الإمام علي عليهالسلام بالعودة إلى السنّة في توزيع الأموال ، بل أعلن عن عزمه على استرداد الأموال المنهوبة ، والتي وهبت في العهد السالف بدون حق ، ليعيد الحق إلى نصابه باسترجاع أموال المحرومين ، وتوزيعها عليهم ، وهذا ما تقتضيه سنن العدل ، والإنصاف ، ويقرّه الشرع المقدس ، فأعلن سياسته في الأموال المأخوذة ، وملك به الإماء ، لرددته ، فإنَّ في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل ، فالجور عليه أضيق» (٢).
ولتسويته في العطاء اقتداءً بالسنة النبوية الشريفة ، وإعلانه عن عزمه على استرجاع الأموال التي أخذت بغير حق ، تمرد عليه كل من ضربت مصالحه الشخصية ، وشعر أنَّه سيحرم من الإمتيازات التي منحت له بدون حق ، وأنَّ ما كسبه من أموال المستضعفين سيسترد منه ، ليعاد إلى أهله ، فنكث طلحة ، والزبير ، ومن تبعهما البيعة ، والتحقت بهما عائشة ، معلنة التظلم لعثمان ، بعد أن ألّبت الناس عليه ، وحرضتهم على الثورة ، وامتنع معاوية عن أخذ البيعة له ، واستقل بالشام ، فكانت
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ / ٦.
(٢) نهج البلاغة ١ / ٤٦.