عجمي إلّا بالتقوى» ، و (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ)(١) ، أجل ، كلهم عباد الله يدينون بدين واحد ، ويعبدون ربّاً واحداً ، ولا يمتاز أحدهم بالفضل إلّا بمقدار ما يقدمه لدينه ، ولأمته من خير وعطاء مبتغياً به وجه الله ، وما يتحلى به من التقوى والصلاح.
تلك هي نظرة الإسلام للجميع ، وعلى وفقها كانت سيرة الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث ساوى بين مستحقي العطاء ، لم يفرق في ذلك بين مسلم وآخر ، واستمرّت هذه السيرة إلى بداية تولّى عمر الخلافة ، ولكنه عدل عن هذه السيرة ، ورأى أن يفضِّل بعض المسلمين على بعض في العطاء ، فأنشأ نظاماً طبقياً ، قسَّم فيه المسلمين مراتب ، وأعطى كل واحدٍ منهم حسب المرتبة التي صُنِّف فيها ، وتبعه عثمان على هذه السيرة.
وقد أسرف عثمان في سياسته المالية ، فاستأثر هو وبنو أمية بالأموال أيام خلافته ، ووهب الأموال لبعضهم بدون حساب ، فحصل من ذلك ثراء عريض لفئة من الناس بدون استحقاق ، وعلى حساب غيرهم من أبناء الأمة من المستضعفين المحرومين ، وقد وهب عثمان ـ إلى جانب ذلك ـ الهبات الكبيرة لبعض الصحابة بغية إسكاتهم عن معارضة سياسته المالية هذه ، وكمِّ أفواههم عنه ، أمّا الذين رفضوا استلام الأموال إلّا بحقها ، واعترضوا على هذه السياسة ، فقد حاول إسكاتهم بما استعمله من القسوة ، والبطش ، والنفي ، بسبب هذه المعارضة ، وكانت الإضطرابات تتفاقم بسبب هذه المخالفات ، وغيرها إلى أن انتهت بمقتل الخليفة.
وعندما تولى الإمام علي عليهالسلام الخلافة بعد مقتل عثمان ، أعاد الأمور إلى نصابها ، وأرجع الناس إلى العمل بسيرة الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فساوى بين جميع
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ١٣.