القرآن عملاً ، فقد اتبع قراء أهل الشام الطليق الباغي ، وخرجوا لقتال الخليفة الشرعي ، ولم يعملوا بقوله تعالى : (١) ، وتقاعس قرّاء العراق عن نصرة إمامهم بعد رفع المصاحف ، وأعلنوا العصيان عليه ، وأكرهوه على الموادعة ، ولم يعملوا بقوله تعالى : (٢) ، وما ذلك إلّا لأنَّهم كانوا يقرأون القرآن بألسنتهم ، ولم تعِ قلوبهم ما تضمنته آياته ، فلم يعملوا بأحكامه.
أسفر اجتماع القرّاء عن الإتفاق على اختيار حكمين للفصل في النزاع ، فاختار قرّاء الشام عمرو بن العاص ، واختار قرّاء العراق أبا موسى الأشعري ، وقد رفض الإمام علي عليهالسلام اختيار أبي موسى ، والذي جرى دون أخذ رأيه ، فقال : «فإنّي لا أرضى بأبي موسى ، ولا أرى أن أوليه» ، وأراد أن يولي ابن عباس ، أو الأشتر ، فأبى عليه الأشعث ، وابن فدكي ، والقراء ، وأكرهوه على أن يولي أبا موسى حكماً ، كما أكرهوه على قبول التحكيم من قبل (٣) ، وكأنَّه أصبح مأموراً بعد أن كان الأمر والنهي بيده ، فأشبهت محنته محنة هارون عليهالسلام إذ سار القوم خلف أهوائهم ، فلم يصغ أحد منهم إلى نصحه ، وأعرضوا عما يوجههم إليه.
__________________
(١) هود ١١ : ١١٣.
(٢) النساء ٤ : ٥٩.
(٣) وقعة صفين ٤٩٩.